تقارير
أخر الأخبار

أردوغان يلتقي بترامب: صفقات بـ50 مليار دولار لإرضاء البيت الأبيض

تقارير | بقش

بعد ست سنوات من القطيعة والبرود الدبلوماسي، يعود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى البيت الأبيض هذه المرة محملاً بحقائب ثقيلة مليئة بالصفقات التي تتجاوز قيمتها 50 مليار دولار. أنقرة، التي عانت في السنوات الأخيرة من توتر علاقاتها مع واشنطن بسبب ملفات الدفاع والعقوبات، تبدو وكأنها قررت طي صفحة الماضي عبر تقديم تنازلات اقتصادية وتجارية هائلة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لا يخفي ميله لتحويل السياسة الخارجية إلى صفقات مربحة.

الزيارة المرتقبة تأتي في توقيت بالغ الحساسية، مع استمرار الاضطرابات في سوريا وتراجع الثقة في الاقتصاد التركي، فيما ينظر كثيرون إلى اللقاء على أنه اختبار جديد لمكانة أنقرة داخل التحالف الغربي بعد سنوات من تقاربها مع موسكو.

وبحسب تقرير نشرته بلومبيرغ ورصده بقش، فإن أردوغان يراهن على أن الانحناء لرغبات ترامب سيمنحه متنفساً سياسياً واقتصادياً يعزز موقعه الداخلي والخارجي.

المراقبون يرون أن تركيا تضع مستقبلها بين يدي إدارة أمريكية متقلبة، وأن هذه الصفقات الضخمة قد تعني في النهاية خضوع أنقرة لشروط البيت الأبيض مقابل البقاء داخل دائرة النفوذ الغربي، في وقت يشتد فيه الضغط الدولي على اقتصادات المنطقة.

صفقات دفاعية وطائرات أمريكية

حسب اطلاع بقش، فإن أبرز ما يحمله أردوغان في جعبته يتعلق بصفقات دفاعية ضخمة تشمل طلب شراء مقاتلات من طراز F-16 من شركة “لوكهيد مارتن”، إلى جانب صفقات طائرات تجارية تصل إلى 250 طائرة من إنتاج “بوينغ”.

هذه الصفقات تمثل الحصة الأكبر من قيمة الـ50 مليار دولار التي يروج لها الجانب التركي، وتُعد بمثابة عربون ثقة من أنقرة لواشنطن.

المثير أن تركيا التي أقصيت من برنامج المقاتلة الشبحية F-35 بسبب شرائها منظومة الدفاع الروسية S-400، عادت اليوم تحاول فتح الباب مجدداً للعودة إلى المشروع عبر إقناع ترامب بصفقة تسوية تسمح لها بالحصول على 40 طائرة F-35.

أنقرة تراهن على أن إدارة ترامب، بعقلية رجل الأعمال، قد تقبل بتفاهم يضمن استمرار العقود الأمريكية ويمنح واشنطن السيطرة على شروط التشغيل.

هذه الخطوة تعكس تراجعاً تركياً واضحاً عن التمسك بالتحالف الدفاعي مع موسكو، إذ باتت أنقرة ترى أن التوازن مع روسيا لا يكفي، وأن ضمان المظلة الأمريكية يظل الخيار الأكثر أماناً لحماية موقعها الجيوسياسي والاقتصادي.

الغاز الأمريكي يفتح الطريق أمام أردوغان

لا تتوقف صفقات أردوغان على الطائرات والأسلحة، بل تمتد إلى الطاقة، حيث أعلنت أنقرة عن اتفاقيات طويلة الأمد مع شركتي “ميركوريا إنرجي غروب” و”وودسايد إنرجي غروب” لاستيراد نحو 76 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، معظمها من منشآت أمريكية. ووفق تقرير بلومبيرغ، فإن هذه العقود تمثل نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

استيراد الغاز الأمريكي يأتي في وقت تواجه فيه تركيا تحديات كبيرة في تأمين احتياجاتها الطاقية مع ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وتراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي. هذا التوجه يتيح لواشنطن اختراق قطاع الطاقة التركي بشكل أكبر، ويمنح ترامب نصراً اقتصادياً جديداً يمكنه التباهي به داخلياً كجزء من سياسته “أمريكا أولاً”.

بالنسبة لأنقرة، فإن هذه العقود تعني أيضاً تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على روسيا وإيران، وهو ما يعكس بوضوح مدى استعداد أردوغان لتغيير أولوياته الاستراتيجية من أجل كسب رضا واشنطن والعودة إلى حضنها السياسي.

الاقتصاد التركي تحت رحمة البيت الأبيض

انعكست أخبار الصفقات المرتقبة بشكل فوري على الأسواق التركية، كما تورد بلومبيرغ، وارتفعت السندات الحكومية والأسهم بشكل ملحوظ منذ إعلان ترامب عن زيارة أردوغان المرتقبة. المستثمرون الدوليون اعتبروا أن التقارب مع واشنطن يمثل ضمانة لاستقرار الاقتصاد التركي الذي يعاني من تضخم تجاوز 30% وتراجع مستمر في قيمة الليرة.

أردوغان الذي عُرف بسياساته الاقتصادية غير التقليدية، حاول خلال العامين الماضيين طمأنة الأسواق عبر تعيين محمد شيمشك، وزير المالية المخضرم، والعودة إلى سياسات أكثر تقليدية. لكن هذه الخطوات وحدها لم تكن كافية لإقناع المستثمرين. ومن هنا جاء خيار الانحناء لترامب وتقديم صفقات بمليارات الدولارات كضمان إضافي.

بالنسبة للمراقبين، فإن هذا السلوك يؤكد أن الاقتصاد التركي بات مرهوناً بمزاج البيت الأبيض أكثر من أي وقت مضى. فإذا قررت واشنطن فرض قيود جديدة أو التراجع عن الاتفاقيات، فإن أنقرة ستجد نفسها أمام أزمة مضاعفة يصعب احتواؤها.

ملف مقاتلات F-35 الشبحية يبقى الأكثر حساسية في المفاوضات، وتركيا، التي كانت شريكاً مؤسساً في المشروع، تعرضت لعقوبات قاسية من الكونغرس بعد صفقة S-400 مع روسيا. ورغم ذلك، يعتقد مسؤولون أتراك أن ترامب قد يفتح الباب أمام تسوية تسمح بإعادة دمج أنقرة في البرنامج مقابل تنازلات سياسية ودفاعية واضحة.

وبحسب تقرير بلومبيرغ، فإن واشنطن لا تزال مترددة بشأن هذا الملف بسبب الضغوط من الكونغرس والمؤسسة العسكرية. غير أن ترامب الذي يسعى إلى تسجيل إنجازات تجارية قبل انتخابات 2028، قد ينظر إلى الصفقة باعتبارها ورقة سياسية واقتصادية مربحة في الوقت ذاته.

الرسالة الواضحة من أنقرة، وفق قراءة بقش، أن أردوغان مستعد لإعادة النظر في منظومة S-400 أو على الأقل الحد من استخدامها مقابل الحصول على الضوء الأخضر لشراء F-35. هذا يعني عملياً خضوعاً كاملاً للشروط الأمريكية في واحد من أكثر الملفات حساسية خلال العقد الأخير.

حسابات أردوغان السياسية

لا يمكن فصل هذه الخطوة عن حسابات أردوغان الداخلية. فالرجل الذي يواجه انتخابات رئاسية جديدة في 2028 يدرك أن الاقتصاد هو مفتاح بقائه في السلطة. التضخم المرتفع، تراجع الليرة، وأزمة ثقة المستثمرين كلها ملفات لا يمكن حلها دون دعم أمريكي مباشر أو غير مباشر.

ويرى أردوغان في ترامب حليفاً مثالياً، ليس فقط لأنه رئيس الولايات المتحدة، بل لأنه رجل صفقات يبحث عن إنجازات سريعة. من خلال تقديم 50 مليار دولار كعقود دفاع وطاقة، يعتقد أردوغان أنه يضمن استقرار الاقتصاد ويمهد الطريق لولاية جديدة.

لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، فالارتهان لواشنطن قد يثير غضب القاعدة القومية والإسلامية داخل تركيا، والتي ترى في أمريكا خصماً تاريخياً. غير أن أردوغان يبدو مستعداً لتحمل هذا الثمن مقابل البقاء على كرسي السلطة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش