الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

إغلاق مكاتب مالية وخارجية حكومة عدن في الرياض: إعادة تموضع أم نهاية لفصل من الفساد المالي؟

الاقتصاد اليمني | بقش

كشفت مصادر مطلعة في وزارتي المالية والخارجية التابعة لحكومة عدن عن بدء إجراءات الإغلاق النهائي لمكاتب الوزارتين في العاصمة السعودية الرياض، بعد نحو عقد من الزمن قضته بعض المؤسسات الحكومية تعمل من الخارج، منذ 2015.

وبحسب المصادر، فإن هذه الخطوة تأتي تنفيذاً لتوجيهات رئاسة الوزراء بعدن ضمن برنامج “إصلاح 100 يوم”، الذي يتضمن خططًا لإعادة تموضع الوزارات والمؤسسات الرسمية إلى داخل الأراضي اليمنية، وتحديداً إلى عدن، كجزء من مشروع إصلاحي يهدف إلى تقليص النفقات، وتفعيل الأداء المؤسسي، وتعزيز التنسيق الإداري مع السلطات التنفيذية المحلية.

رغم عدم صدور أي إعلان رسمي حتى لحظة كتابة التقرير بشأن هذه الخطوة، أو توضيح يشير إلى مدى شمولها للوزارات الأخرى التي ما تزال تعمل من الخارج، إلا أن الخطوة أثارت تفاعلاً واسعاً، خصوصاً في الأوساط المتابعة للملف الاقتصادي والإداري في اليمن.

تشير المعطيات الحالية إلى أن وزارات ومؤسسات حكومية أخرى لا تزال تواصل عملها من خارج البلاد، مثل وزارات الدفاع، الداخلية، الإعلام، مصلحة الجوازات، ومكتب رئاسة الوزراء والجمهورية، إضافة إلى بعض وحدات مجلسي النواب والشورى.

هذا التفاوت في أماكن تواجد المؤسسات أثار تساؤلات حول جدية وفعالية خطة العودة الشاملة إلى الداخل، ومدى التزام كافة المؤسسات بتوحيد مركزية العمل المؤسسي داخل الأراضي اليمنية، لا سيما في ظل التحديات الأمنية واللوجستية، من جهة، وتفاقم الضغوط الاقتصادية من جهة أخرى.

وتلعب العودة إلى الداخل دوراً محورياً في ضبط الإنفاق العام، خصوصاً في ظل تضخم فاتورة التكاليف التشغيلية للمؤسسات العاملة من الخارج، التي ظلت طوال السنوات الماضية تستنزف موارد الدولة دون ارتباط مباشر بالأداء على الأرض أو الخدمة العامة للمواطنين.

رواتب بالدولار ومكاتب موازية خارج الرقابة

في سياق متصل، أشار الخبير الاقتصادي “ماجد الداعري”، في تصريح على صفحته الرسمية، إلى أن إغلاق مكتب وزارة المالية في الرياض قد يطوي صفحة ما وصفه بـ”الكشف السحري” لصرف رواتب بالدولار الأمريكي لعدد من كبار المسؤولين، من العاملين والسابقين، خارج الأطر القانونية والمؤسسية المعمول بها في الدولة.

ووفقاً للداعري، فإن هذه الممارسة بدأت منذ رئاسة “أحمد بن دغر” للحكومة، وتم تكريسها لاحقًا بإنشاء مكتب مالي مستقل عن البنك المركزي اليمني، لإدارة صرف مخصصات شهرية بالدولار لمسؤولين سابقين وآخرين غير فاعلين ميدانيًا، مستخدمين عائدات نفطية ومنح خارجية كان يفترض توجيهها للمجتمع اليمني في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة.

ولم يصدر عن الجهات الرسمية أي نفي أو تأكيد لتلك الادعاءات حتى الآن، كما لم تُعلن آلية التعامل مع هذه الملفات بعد إغلاق المكتب في الرياض. ويظل التساؤل مفتوحاً بشأن ما إذا كانت تلك المخصصات ستتم إعادة تمريرها بطريقة أخرى من الداخل، أو ما إذا كانت الظروف المالية الحالية ستمنع ذلك تماماً.

يأتي هذا التطور في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة، مع انكماش شديد في الإيرادات العامة، وتدهور العملة المحلية، وارتفاع نسب البطالة والفقر، ما يجعل من إعادة النظر في آليات الإنفاق الحكومي أولوية ملحة.

ويرى مراقبون أن إعادة الوزارات إلى الداخل يجب أن تُقترن بإصلاح شامل في البنية المالية والإدارية، بما يشمل مراجعة كافة النفقات والمخصصات، وضمان أن تتم وفق معايير شفافة وخاضعة للرقابة والمساءلة، لتجنب تكرار ممارسات سابقة ساهمت في تفاقم الأزمة.

وتعتمد مصداقية هذه الإجراءات على ما إذا كانت ستشمل وقف الامتيازات غير القانونية، وإعادة هيكلة مسارات الإنفاق، وربط الرواتب والمكافآت بالعمل الفعلي والأداء، بدلاً من الاستمرار في نمط توزيع الريع السياسي على حساب المصلحة العامة.

غياب الشفافية الرسمية… وتساؤلات بلا إجابات

رغم أهمية القرار المتداول بشأن إغلاق المكاتب في الرياض، تُطرح علامات استفهام كبيرة بسبب غياب إعلان رسمي من حكومة عدن حتى اللحظة، وعدم توضيحها للرأي العام بشأن أسباب الخطوة وتداعياتها على الترتيبات الإدارية والمالية المعمول بها حالياً.

ويتخوف بعض المتابعين من أن تكون الخطوة مجرد تحول شكلي دون تأثير حقيقي على منظومة الفساد والازدواج الإداري، ما لم تتبعها إجراءات حازمة لمراجعة العقود، وضبط بنود الرواتب والمكافآت، ووقف أية تحايلات على المال العام.

ويبقى الرهان على ما إذا كانت هذه العودة المؤسسية ستُمثل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من الحوكمة الرشيدة والإدارة الرشيدة للموارد، أم أنها مجرد خطوة رمزية لن تغير من واقع التداخلات والفساد القائم منذ سنوات.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش