إنتل تحصل على 5.7 مليار دولار مبكراً بعد تعديل صفقة قانون الرقائق مع واشنطن

الاقتصاد العالمي | بقش
في خطوة غير مسبوقة تكشف عن عمق تدخل الحكومة الأمريكية في صناعة التكنولوجيا الاستراتيجية، أعلنت شركة إنتل عن تعديل اتفاقية تمويل “قانون الرقائق” المبرمة مع وزارة التجارة الأمريكية، ما أتاح لها الحصول على 5.7 مليار دولار نقداً بشكل مبكر، في إطار سعي واشنطن لتعزيز قدراتها في مجال أشباه الموصلات وضمان السيطرة على سلاسل التوريد الحيوية.
وأكدت إنتل، في بيان اطلع عليه بقش يوم الجمعة 29 أغسطس 2025، أنها عدلت الصفقة الموقعة في نوفمبر 2024 لإلغاء معالم المشروع السابقة التي كانت مرتبطة بإفراج تدريجي عن التمويل، وهو ما منحها مرونة مالية أكبر لتوجيه الأموال نحو مشاريعها التصنيعية دون انتظار تحقيق مراحل معينة.
وبموجب التعديل، حافظت الاتفاقية على عدد من القيود التي تمنع الشركة من استخدام الأموال في توزيعات الأرباح أو إعادة شراء الأسهم، إضافة إلى منعها من الدخول في صفقات استحواذ تغيّر السيطرة على الشركة أو التوسع في أسواق تعتبرها واشنطن “حساسة”، وعلى رأسها الصين.
دخول الحكومة الأمريكية كمساهم رئيسي
الصفقة المحدثة تضمنت دخول الحكومة الأمريكية كمساهم مباشر في إنتل، بعد أن أصدرت الشركة 274.6 مليون سهم لصالح وزارة الخزانة الأمريكية، ومنحتها خيار شراء ما يصل إلى 240.5 مليون سهم إضافي وفق ظروف معينة حسب متابعة بقش، وهو ما يمنح واشنطن ما يقارب 9.9% من أسهم الشركة، لتصبح واحدة من أبرز المساهمين المؤسسيين في عملاق صناعة الرقائق الأمريكي.
كما خصصت إنتل 158.7 مليون سهم في حساب ضمان، سيتم الإفراج عنها عند تقديم الحكومة تمويل إضافي لبرنامج “Secure Enclave” الذي يهدف إلى توسيع التصنيع المتقدم للرقائق الآمنة داخل الأراضي الأمريكية.
وبحسب بيانات الشركة، فقد أنفقت إنتل ما لا يقل عن 7.87 مليار دولار على مشاريع مؤهلة ضمن برنامج قانون الرقائق، فيما بلغ إجمالي الاستثمار الحكومي المباشر في الشركة 8.9 مليار دولار، يضاف إليها 2.2 مليار دولار منحة سابقة، ليصل مجموع استثمارات الحكومة إلى 11.1 مليار دولار.
هذا الحجم من التمويل يعكس بوضوح مدى رغبة الإدارة الأمريكية في إعادة تثبيت مكانة الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في سوق أشباه الموصلات العالمي، في مواجهة الهيمنة الآسيوية بقيادة تايوان وكوريا الجنوبية.
البعد السياسي لصفقة إنتل
الصفقة تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية واضحة. فقد أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يقود هذه السياسة، أن حكومته ستواصل إبرام صفقات مماثلة مع شركات أمريكية أخرى في القطاعات الاستراتيجية، معتبراً أن تدخل الدولة المباشر في هذا القطاع أمر ضروري لحماية الأمن القومي وضمان بقاء الولايات المتحدة في موقع الصدارة التكنولوجية.
إلا أن هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية، حيث شبّه بعض المراقبين هذا التدخل بنموذج “شركات الدولة”، محذرين من أن مشاركة الحكومة في ملكية شركات خاصة قد تقوّض ثقة المستثمرين وتحد من حرية الإدارة في رسم استراتيجياتها.
إنتل نفسها لم تخفِ قلقها من التداعيات الدولية لهذه الخطوة، إذ أشارت في ملف رفعته لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية إلى أن ملكية الحكومة لحصة كبيرة قد تضر بمبيعاتها الخارجية، لا سيما أن 76% من إيراداتها تأتي من خارج الولايات المتحدة، منها 29% من الصين وحدها حسب اطلاع بقش. وأضافت الشركة أن هذا التداخل قد يؤثر أيضًا على قدرتها في الحصول على منح مستقبلية، بما أن وجود الحكومة كمساهم قد يُعتبر تضارب مصالح.
انعكاسات استراتيجية على صناعة الرقائق
رغم هذه المخاوف، يصف محللون الصفقة بأنها تحول استراتيجي يعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في الولايات المتحدة. فبينما تحصل إنتل على تمويل ضخم وسيولة مبكرة تسهل عليها تسريع مشاريعها في تصنيع الرقائق المتقدمة، تضمن واشنطن من جانبها النفوذ المباشر داخل الشركة، ما يتيح لها مراقبة مسار صناعة تُعد الأهم في العالم اليوم، نظراً لدورها المحوري في الاقتصاد الرقمي والدفاع والأمن القومي.
هذه التطورات تعكس أيضاً طبيعة السباق العالمي في صناعة الرقائق، حيث تسعى الولايات المتحدة لتقليل اعتمادها على آسيا بعد الأزمات التي كشفت هشاشة سلاسل التوريد خلال أزمة كورونا والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة مع الصين. وتؤكد صفقة إنتل أن واشنطن لن تكتفي بالدعم المالي غير المشروط، بل تتجه إلى نموذج جديد قوامه التمويل المشروط بالرقابة والمشاركة في الملكية.
وهكذا، فإن صفقة إنتل مع الحكومة الأمريكية تتجاوز كونها اتفاقاً مالياً، لتصبح عنواناً لمرحلة جديدة في الاقتصاد العالمي، حيث تتداخل السياسة بالصناعة والتكنولوجيا، في معركة مفتوحة على السيطرة على أهم مورد استراتيجي لعصر الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية.