اشترت مليون أونصة في 6 أشهر.. الصين تواصل مراكمة الذهب لمواجهة عواصف التجارة العالمية

الاقتصاد العالمي | بقش
تواصل الصين بوتيرة ثابتة تعزيز احتياطياتها من الذهب، في خطوة استراتيجية لافتة تأتي على الرغم من تحليق أسعار المعدن النفيس عند مستويات قياسية وفي ظل استمرار التوترات التجارية التي تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي.
وأظهرت بيانات حديثة صادرة اليوم الأربعاء، أن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) أضاف نحو 70 ألف أونصة من الذهب إلى خزائنه خلال شهر أبريل الماضي، ليصل إجمالي الزيادة على مدار الأشهر الستة الماضية إلى قرابة المليون أونصة، أي ما يعادل حوالي 30 طناً.
يأتي هذا الإقبال الصيني المتواصل في وقت يشهد فيه الذهب ارتفاعات قياسية، حيث قفزت الأسعار بما يقارب 30% هذا العام وفق متابعات بقش، مدفوعة بموجة شراء واسعة من البنوك المركزية حول العالم التي تسعى جاهدة إلى تنويع احتياطياتها بعيداً عن هيمنة الدولار الأمريكي.
ويرى مراقبون أن هذا الزخم التصاعدي، المقترن بأجواء الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة، يفاقم القلق بشأن الأصول الأمريكية ويعزز الإقبال على الملاذات الآمنة التقليدية.
داخلياً، تشهد السوق الصينية موجة إقبال متصاعدة من المستثمرين على الذهب، حيث سجلت أحجام التداول في بورصة شنغهاي للعقود الآجلة مستويات قياسية خلال الأسابيع الأخيرة.
وقد دفع هذا الطلب القوي بنك الشعب الصيني إلى تخصيص حصص جديدة للبنوك التجارية بهدف استيراد المزيد من السبائك، بالتزامن مع تكثيف سلطات بكين جهودها لدعم الاقتصاد المحلي، تمهيداً لجولات مرتقبة من المحادثات التجارية، والتي شملت خفض سعر الفائدة الأساسي وتقليص نسبة الاحتياطي الإلزامي للمقرضين.
تحوط أم استعداد لمرحلة ما بعد الدولار؟
تشير التحليلات الخاصة بالمرصد الاقتصادي بقش، إلى أن عمليات الشراء الصينية المكثفة للذهب تتجاوز مجرد التنويع الروتيني للاحتياطيات.
فهذه الخطوات تُقرأ كجزء من استراتيجية أوسع للتحوط ضد المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة واحتمالات التورط في حروب اقتصادية، خاصة بعد تجميد الأصول الروسية الذي كان بمثابة جرس إنذار للعديد من القوى العالمية.
الذهب، بصفته أصلاً لا يخضع لسيطرة أي دولة بمفردها، يوفر درجة عالية من الأمان والسيادة النقدية التي تسعى إليها بكين.
وتدعم هذه الاستراتيجية أيضاً طموحات الصين لتعزيز مكانة اليوان عالمياً، فوفقاً لمجموعة “غولدمان ساكس”، التي لاحظت زيادة مشتريات البنوك المركزية من الذهب بنحو خمسة أضعاف منذ عام 2022 واصفة إياه بـ”تحول هيكلي”، لا تزال نسبة الذهب في احتياطيات الصين (حوالي 8%) أقل بكثير من المتوسط العالمي (نحو 20%) ومستويات الاقتصادات المتقدمة.
ويرى المرصد الاقتصادي بقش أن سعي بكين لرفع هذه النسبة، والذي قد يستغرق، وفق تقديرات “غولدمان ساكس” القائمة على وتيرة شراء متوسطة، حوالي ثلاث سنوات للوصول إلى 20%، يهدف بشكل أساسي إلى بناء غطاء قوي من الأصول الملموسة يعزز الثقة في اليوان ويدعم تدويله كعملة احتياط وتداول عالمية.
إلى جانب هذه الأبعاد الاستراتيجية الخارجية، تلبي سياسة تعزيز حيازة الذهب اعتبارات داخلية مهمة. فهي توفر قناة استثمارية آمنة للمواطنين والمؤسسات الصينية في ظل تقلبات الأسواق الأخرى، وتساهم في إدارة السيولة المحلية، وتعكس صورة من القوة والاستقرار الاقتصادي، وهو ما تسعى إليه الحكومة الصينية.
وكان سعر الذهب الفوري قد بلغ ذروته الأخيرة في شهر أبريل من العام الجاري، متجاوزاً حاجز 3500 دولار للأونصة، واستمر في تسجيل مكاسب شهرية ملحوظة منذ بداية العام، ليستقر مؤخراً، وفقاً لبيانات اليوم الموافق 07 مايو 2025، حول مستوى 3385 دولاراً للأونصة.
في المحصلة، يبدو أن إصرار الحكومة الصينية على مراكمة الذهب ليس مجرد رد فعل على ظروف آنية، بل هو جزء من رؤية استراتيجية متكاملة الأبعاد، تسعى من خلالها بكين لتأمين مستقبلها المالي، وتعزيز استقلالها النقدي، وتثبيت أقدامها كقوة اقتصادية مؤثرة في نظام عالمي متغير.