
أخبار الشحن | بقش
تشهد موانئ الاحتلال الإسرائيلي أزمة بحرية خانقة مع تصاعد وتيرة المواجهة العسكرية المفتوحة بين إسرائيل وإيران، وفي مؤشر إضافي على هشاشة سلاسل التوريد الإسرائيلية، قفزت أقساط التأمين البحري على السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية بنسب كبيرة، ما يشكّل ضغطاً إضافياً على حركة التجارة وتكاليف النقل، ويعمّق التداعيات الاقتصادية المباشرة للحرب.
ووفق متابعات المرصد الاقتصادي بقش، فإن تكلفة التأمين على رحلة بحرية مدتها سبعة أيام إلى أحد الموانئ الإسرائيلية تراوحت بين 0.7% إلى 1% من قيمة السفينة، بعد أن كانت في حدود 0.2% فقط قبل اندلاع المواجهات الأخيرة، هذا يعني أن ناقلة بقيمة 80 مليون دولار باتت تتطلب ما بين 560 ألف و800 ألف دولار للتأمين، مقارنة بـ 160 ألف دولار فقط في الظروف العادية.
ورغم أن البحر لا يُغلق بقرار رسمي، إلا أن الحصار الاقتصادي بدأ فعلياً منذ أكتوبر 2023، عندما أعلنت قوات صنعاء عن فرض حظر شامل على الملاحة المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية أو التي ترفع علم إسرائيل، ومنذ ذلك التاريخ، تشهد الممرات البحرية إلى الموانئ الإسرائيلية – وخصوصاً في البحر الأحمر – تهديدات شبه يومية، تسببت في تراجع عدد السفن القادمة، ودفعت شركات عالمية إلى تعليق عملياتها باتجاه إسرائيل.
وبحسب بيانات اطّلع عليها بقش، فقد تراجعت حركة السفن التجارية في ميناء إيلات بنسبة 96% منذ نوفمبر 2023، ما أجبر السلطات على إغلاق الميناء فعلياً أمام الشحن التجاري في فبراير 2024، وهو القرار الذي لم يُعلن رسمياً لتجنّب تداعياته السياسية والاقتصادية، وبلغ حجم التراجع في إجمالي الحاويات الواردة إلى الموانئ الإسرائيلية أكثر من 42% في الربع الأول من 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ارتفاع حاد في تكاليف الشحن والتأمين
لا تقتصر آثار هذا التدهور على التأمين فقط، بل يمتد إلى ارتفاع أسعار الشحن البحري نفسه، ووفق بيانات وكالة رويترز، فإن متوسط كلفة الشحن من جنوب آسيا إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر ارتفعت بأكثر من 110% منذ بداية يونيو، مدفوعة بالمخاطر المتزايدة في مضيق باب المندب، والتوتر في مضيق هرمز، الذي بات بدوره تحت رقابة صارمة من قبل القوات الإيرانية.
وتشير مصادر ملاحية إلى أن بعض شركات التأمين العالمية باتت ترفض تغطية الرحلات البحرية التي تمر بالموانئ الإسرائيلية من الأساس، فيما يشترط البعض الآخر “أقساط تأمين حربية” إضافية تتجاوز الحد المعتاد بخمسة أضعاف إذا كانت الوجهة هي حيفا أو أشدود.
في سياق موازٍ، ووسط تصاعد الاشتباكات بين إسرائيل وإيران، ارتفعت أسعار النفط يوم الثلاثاء بشكل لافت، حيث صعد خام برنت إلى 74.79 دولاراً للبرميل، بزيادة 2.1%، بينما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط إلى 73.19 دولاراً، وفق بيانات أسواق.
ويُعزى هذا الارتفاع إلى القلق من احتمال تعطّل الإمدادات عبر مضيق هرمز، رغم أن معظم التحليلات ترى أن إغلاق المضيق بشكل كامل لا يخدم أي طرف، خصوصاً طهران التي تعتمد على العائدات النفطية بشكل كبير، لكن المخاوف ما زالت قائمة، خاصة بعد اندلاع النيران في ناقلتين للنفط قرب المضيق نتيجة تداخل إلكتروني، ما يسلّط الضوء على هشاشة الوضع البحري في المنطقة بأكملها.
رغم الاضطرابات الجيوسياسية، لم تسجل الأسواق حتى الآن نقصاً فعلياً في الإمدادات، بل على العكس، فقد رفعت وكالة الطاقة الدولية تقديراتها لإمدادات النفط اليومية بمقدار 200 ألف برميل لتبلغ 1.8 مليون برميل يومياً، بينما خفضت توقعاتها للطلب بمقدار 20 ألف برميل يومياً.
إسرائيل في زاوية حرجة: لا نفط ولا تجارة بحرية آمنة
تواجه إسرائيل اليوم حالة من “العزلة البحرية الفعلية”، رغم عدم وجود إعلان رسمي بذلك، فمع فرار شركات الملاحة، وارتفاع تكاليف التأمين، وتعليق العمل في موانئ استراتيجية مثل إيلات، وتزايد الخسائر اللوجستية، تُقدّر كلفة النقل البحري الإضافية على الواردات الإسرائيلية في يونيو وحده بأكثر من 650 مليون دولار، بحسب تقارير سابقة لرويترز.
ومن غير المتوقع أن تعود الملاحة إلى طبيعتها في المستقبل القريب، لا سيما وأن خارطة المخاطر في المنطقة آخذة بالاتساع، بدءاً من اليمن جنوباً، مرورًا بإيران شرقاً، ووصولاً إلى حزب الله شمالاً، وهو ما يهدد ليس فقط التجارة، بل أيضًا أمن الإمدادات الحيوية كالغذاء والوقود والمواد الخام.
في الوقت الذي تراهن فيه إسرائيل على قوتها الجوية والعسكرية، تبدو الجبهة الاقتصادية مكشوفة، خاصة في ما يتعلق بالتجارة البحرية، التي لطالما مثّلت شرياناً أساسياً للاقتصاد الإسرائيلي القائم على الاستيراد والتصدير عبر البحر.
ومع استمرار الحصار غير الرسمي، وغياب حلول واقعية لإعادة الثقة إلى شركات التأمين والملاحة، تبقى إسرائيل عرضة لتكاليف باهظة واستنزاف اقتصادي قد يكون أكثر فتكاً من القذائف ذاتها.