أخبار الشحن
أخر الأخبار

الدنمارك تدرس إنشاء تأمين حكومي لمخاطر الحرب على السفن وسط اضطراب الأسواق البحرية وأزمة البحر الأحمر

أخبار الشحن | بقش

أبدت رابطة مالكي السفن الدنماركية تأييدها لمشروع قانون حكومي طموح يهدف إلى إنشاء آلية تأمين مدعومة من الدولة لتغطية مخاطر الحرب على هياكل السفن، في خطوة استباقية تهدف إلى توفير شبكة أمان استراتيجية لصناعة الشحن الحيوية في البلاد ضد أي انهيار محتمل لسوق التأمين التجاري في أوقات الأزمات الكبرى.

وتأتي هذه المقترحات، التي تخضع حالياً للمشاورات ومن المتوقع عرضها على البرلمان الدنماركي في أكتوبر المقبل، في وقت يشهد فيه قطاع الشحن البحري العالمي حالة من التوتر المتزايد وعدم اليقين، مدفوعاً بالصراعات الجيوسياسية وتصاعد الهجمات على الممرات الملاحية الحيوية.

آلية التمويل المقترحة

تتضمن الخطة إنشاء “مؤسسة تأمين ضد الحرب”، وستقوم الحكومة الدنماركية بتوفير التمويل الأولي لهذه المؤسسة من خلال قرض بقيمة 6 مليارات كرونة دنماركية (حوالي 910 مليون دولار أمريكي)، مما يمنح الكيان الجديد السيولة اللازمة لبدء عملياته فور تأسيسه.

ومن المخطط أن يتم سداد هذا القرض الحكومي لاحقاً من خلال أقساط التأمين التي سيتم تحصيلها من مالكي السفن عند تفعيل البرنامج في حالات الطوارئ. وبهذا، سيكون البرنامج في جوهره ممولاً ذاتياً من قِبل قطاع الشحن نفسه، ولكنه مدعوم بخط ائتمان حكومي أولي يضمن قدرته على العمل الفوري عند الحاجة، مما يوفر بديلاً موثوقاً في حال عجز أو إحجام السوق التجاري عن توفير التغطية اللازمة أو تقديمها بأسعار باهظة للغاية.

ليست فكرة تدخل الدولة في تأمين مخاطر الحرب البحرية جديدة تماماً، وإن كانت السوابق تعود إلى ما قبل ذاكرة معظم العاملين في قطاع التأمين البحري اليوم. فالمملكة المتحدة تبنت مبادرة مماثلة خلال الحرب العالمية الأولى، بمبادرة من رئيس الوزراء آنذاك “ديفيد لويد جورج”. كما قامت الحكومة الفرنسية بإعادة تأمين مخاطر الحرب البحرية خلال حرب الهند الصينية الأولى (1946-1954) وحرب استقلال الجزائر (1954-1962).

الأزمات البحرية الأخيرة وتداعياتها التأمينية

في العقود الأخيرة، نجح سوق التأمين التجاري، المتمركز بشكل كبير في لندن، في تلبية متطلبات تغطية هياكل السفن خلال أزمات متعددة، مثل حرب الناقلات في الخليج خلال الثمانينيات، والاضطرابات في ليبيا عام 2011، والأزمة الأوكرانية التي بدأت باحتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وصولاً إلى الأوضاع المتوترة الحالية في البحر الأسود بسبب الحرب هناك.

إلا أن الأزمة الأشد تأثيراً على الشحن والتأمين العالميين مؤخراً هي أزمة البحر الأحمر، فمنذ أواخر عام 2023، أدت الهجمات المستمرة التي تشنها قوات صنعاء في اليمن (مرتبطة بالحرب على غزة) باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة والزوارق الهجومية ضد السفن التجارية والعسكرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، إلى حالة من الاضطراب الشديد. دفعت هذه الهجمات كبرى شركات الشحن العالمية إلى تجنب المرور عبر قناة السويس والبحر الأحمر، وتحويل مسار سفنها عبر طريق رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر تكلفة حول أفريقيا.

وكان لهذه الأزمة تداعيات مباشرة وبالغة على سوق التأمين البحري. فقد سارعت شركات التأمين ونوادي الحماية والتعويض (P&I Clubs) إلى تصنيف منطقة جنوب البحر الأحمر وخليج عدن كـ “منطقة عالية المخاطر”.

ونتيجة لذلك، ارتفعت أقساط التأمين الإضافية ضد مخاطر الحرب (War Risk Additional Premiums – APs) بشكل هائل للسفن القليلة التي لا تزال تجرؤ على عبور المنطقة. فبعد أن كانت هذه الأقساط تمثل نسبة ضئيلة جداً من قيمة السفينة، قفزت لتبلغ في بعض الحالات نسبة مئوية كبيرة من قيمة هيكل السفينة لكل رحلة عبور تستغرق أياماً قليلة، مما أضاف عبئاً مالياً ضخماً على تكاليف التشغيل.

انتقادات للسوق التجاري ومبررات المبادرة الدنماركية

هذه التقلبات الحادة والارتفاعات الكبيرة في أقساط التأمين خلال أزمات البحر الأسود والبحر الأحمر لم تمر دون انتقاد من بعض مالكي السفن، فقد وُجهت اتهامات لشركات التأمين التجارية بممارسة “الجشع والتلاعب بالأسعار”، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2023، حيث تحدثت تقارير غير رسمية عن فرض أسعار بلغت 10% أو أكثر من قيمة هيكل السفينة لرحلة واحدة في بعض المناطق عالية الخطورة.

وفي هذا السياق، تؤكد رابطة مالكي السفن الدنماركية أن إنشاء مؤسسة تأمين ضد مخاطر الحرب مدعومة من الدولة سيكون مفيداً لكل من البلاد وشركات الشحن التابعة لها. وقالت الرئيسة التنفيذية للرابطة، “آن ستيفنسن”، إن توقيت هذه السياسة “مناسب تماماً، نظراً للتوترات العالمية واندلاع الحرب على الأراضي الأوروبية”، في إشارة إلى أوكرانيا وتداعياتها الأوسع.

وأضافت: “في سيناريو حرب استثنائي، قد يكون من الأهمية بمكان أن يظل الأسطول التجاري الدنماركي قادراً على العمل، حيث يساهم هذا الاقتراح في ضمان هذه الإمكانية إذا لم يعد التأمين التجاري يغطي الشحن الدنماركي”. واختتمت قائلة: “كما هو الحال مع جميع خطط التأمين الأخرى، آمل بصدق ألا نضطر إلى استخدامها أبدًا”.

من جانبه، شدد وزير الأعمال الدنماركي، “مورتن بودسكوف”، على الأهمية الاستراتيجية للأسطول التجاري لبلاده، معتبراً إياه “أحد نقاط قوة الدنمارك الاستراتيجية”، وأكد أن الاستثمار في هذا الصندوق التأميني المدعوم من الدولة يمثل ضرورة لحماية الوظائف الدنماركية ودعم النمو الاقتصادي في مواجهة الاضطرابات العالمية.

تمثل المبادرة الدنماركية المقترحة نموذجاً لافتاً لكيفية تفكير الدول البحرية الرائدة في حماية مصالحها الحيوية في عالم يزداد خطورة وعدم يقين. فبينما أثبت سوق التأمين التجاري مرونته في الماضي، فإن حجم وتواتر الأزمات الأخيرة، وخصوصاً التعطيل شبه الكامل الذي سببته أزمة البحر الأحمر للملاحة عبر قناة السويس والارتفاع الجنوني في تكاليف التأمين، قد دفع بعض الدول إلى البحث عن آليات دعم حكومية كشبكة أمان أخيرة. ويبقى أن نرى ما إذا كان البرلمان الدنماركي سيقر هذه الخطة، وما إذا كانت دول أخرى ستتبع نهجاً مماثلاً لمواجهة عصر جديد من المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة في البحار والمحيطات.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش