مقالات
أخر الأخبار

الذهب اليمني: هل تحول جنوب البلاد إلى منجم مفتوح لخدمة المصالح الإماراتية؟

عاد النفوذ الإماراتي على الثروات اليمنية إلى الضوء مجدداً، على خلفية مواصلة الإمارات -منذ تدخلها ضمن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن عام 2015- في اتخاذ مسار متمايز نسجت من خلاله شبكة نفوذ معقدة في جنوب البلاد.

فبينما كان الهدف المعلن للتحالف هو دعم الحكومة المعترف بها دولياً ضد الحوثيين، سرعان ما برزت الأجندة الإماراتية الخاصة، والتي وفقاً لتحليل اطلع عليه “بقش” ونشره “معهد أطلس للشؤون الدولية”، لم تقتصر على الطموحات الجيوسياسية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بل امتدت بشكل واضح للسيطرة على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها “الذهب اليمني”.

كان إنشاء ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي في عام 2017، والذي بسط سيطرته لاحقاً على أجزاء واسعة من الجنوب، خطوة محورية في الاستراتيجية الإماراتية. فمن خلال هذا الكيان، لم تؤمن أبوظبي موطئ قدم استراتيجياً على الساحل اليمني الحيوي لطرق التجارة العالمية فحسب، بل ضمنت أيضاً الوصول إلى المناطق الغنية بالمعادن الثمينة.

ثروة اليمن الذهبية في قبضة أبوظبي

تتركز رواسب الذهب ذات النقاء العالي بشكل لافت في مناطق شاسعة من المحافظات الجنوبية، وهي المناطق التي تقع تحت نفوذ المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً. وتعتبر السيطرة الإماراتية على منطقة المكلا وما حولها في حضرموت مثالاً صارخاً على هذا التوجه؛ فهذه السيطرة تضعها على مقربة مباشرة من منجم “وادي مدن” الذي كانت تديره شركة “ثاني دبي للتعدين”.

تشير التقديرات الجيولوجية إلى احتواء هذا الامتياز وحده على ما يقرب من 7.3 أطنان من موارد الذهب المؤكدة وحوالي 28.9 طناً من الموارد المستنتجة، مما يمثل ثروة هائلة، وهو ما يربطه تحليل “معهد أطلس” بتولي الإمارات المسؤولية الأمنية في المنطقة عام 2016.

ورغم وجود تحقيقات حكومية يمنية سابقة حول فرص تعدين أخرى في عدن وحضرموت، ووجود شركة كندية (كانتكس) بمنجم يخضع حالياً لحالة “القوة القاهرة” بسبب الحرب، إلا أن الواقع الفعلي يشير إلى هيمنة إماراتية شبه كاملة.

فبحلول عام 2022، كان هناك ثلاثة مناجم ذهب نشطة فقط في اليمن، اثنان منها خضعا لسيطرة شركة “ثاني دبي للتعدين”، مما يربط مصالح أبوظبي بشكل وثيق بربحية قطاع المعادن اليمني.

ووفق مراجعات بقش، فإن هذه الشركة الإماراتية توقفت أعمالها في اليمن عام 2018، ثم تم منح ترخيص استكشاف لشركة “جلف كير” الكويتية في نوفمبر 2023 بموقع “وادي مدن” وما حوله، كما تم في العام الماضي 2024 منح شركة محلية ترخيصاً آخر، هي شركة “بن مهدي” للمقاولات والتعدين.

وسبق وأُثيرت انتقادات ضد السلطات المختصة في حضرموت بهذا الخصوص، وعلى رأسها هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية فرع حضرموت، إلا أن الهيئة قالت العام الماضي إن عقود الاستكشاف لا تسمح باستغلال واستخراج الموارد المعدنية والمتاجرة بها، وحصرت الهيئةُ الغرضَ من هذه التراخيص في تحديد طبيعة التواجد وأنواع الخامات المعدنية ومعرفة الجدوى الاقتصادية منها.

بملايين الدولارات.. الإمارات كمركز لتجارة الذهب اليمني

عززت السيطرة الميدانية دور الإمارات كوجهة رئيسية لصادرات الذهب اليمني. ورغم وجود منافسة من سلطنة عمان، ظلت تدفقات الذهب اليمني إلى الإمارات كبيرة، حيث بلغت ذروتها عام 2017 بقيمة 374 مليون دولار، وبمتوسط سنوي يقدر بنحو 173 مليون دولار، وفق المعلومات التي أوردها معهد أطلس.

هذه التدفقات، إضافة إلى الذهب القادم من دول أخرى مثل السودان، ساهمت كما يشير التحليل في ترسيخ مكانة الإمارات كواحدة من أبرز مراكز تجارة الذهب عالمياً.

ما وراء الاستكشاف: اتهامات بالنهب والتهريب المنظم

لعل الصورة تكتمل بالإشارة إلى الاتهامات المتزايدة والموثقة أحياناً من قبل مسؤولين يمنيين ومنظمات حقوقية وتقارير دولية، والتي توجَّه ضد الإمارات وحلفائها المحليين (خاصة المجلس الانتقالي الجنوبي) بعمليات “نهب منظم” وتهريب واسع النطاق للذهب والمعادن اليمنية.

تتجاوز هذه الاتهامات مجرد السعي للاستثمار أو الاستكشاف، لتشير إلى استغلال ممنهج لظروف الحرب وضعف الدولة لتهريب الثروات خارج البلاد، لا سيما من محافظات حضرموت وشبوة الغنية بالمعادن.

تشير التقارير والمعلومات المتداولة إلى أن عمليات الاستحواذ على الذهب تتم غالباً خارج القنوات الرسمية، متجاوزة البنك المركزي، ويُشتبه في استخدام رحلات جوية وشحنات بحرية غير خاضعة للرقابة لنقل هذه المعادن الثمينة إلى الإمارات.

هذا النشاط، الذي يكتنفه الكثير من الغموض بسبب صعوبة التحقق المستقل في ظل الحرب، يتم تحت غطاء النفوذ العسكري والأمني الذي تملكه الإمارات والقوات الموالية لها في تلك المناطق.

تداعيات تتجاوز الاقتصاد

تتجاوز تداعيات هذا النشاط المزعوم مجرد الأرقام الاقتصادية، فنهب الموارد الطبيعية يحرم الشعب اليمني من عائدات حيوية هو في أمس الحاجة إليها لتمويل الخدمات الأساسية وتخفيف الأزمة الإنسانية الطاحنة.

كما أنه يغذي الصراع بشكل مباشر عبر توفير التمويل للفصائل المسلحة الموالية للإمارات، مما يقوض جهود السلام ويعزز الانقسام داخل البلاد وفقاً للتقارير. علاوة على ذلك، يمثل هذا الاستغلال تقويضاً ممنهجاً لسيادة اليمن ومؤسساته الاقتصادية.

ورغم أن بعض التقارير الدولية المحايدة أشارت إلى تدفقات الموارد غير المشروعة من اليمن وارتباطها بأطراف الصراع المختلفة، إلا أن الإدانة المباشرة والواضحة لعمليات النهب المنسوبة للإمارات لا تزال محدودة على المستوى الرسمي الدولي.

وغالباً ما تنفي الإمارات مثل هذه الاتهامات أو تبرر وجودها العسكري والأمني بأهداف مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار، في حين يبقى الحل مستقبلاً مرهوناً بمعالجة جذرية لملف نهب الموارد وضمان عودة ثروات البلاد في مختلف المحافظات لخدمة أبنائها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى