الرياح المعاكسة لرسوم ترامب الجمركية: شركات عالمية كبرى ترفع أسعارها.. والمستهلك الضحية

الاقتصاد العالمي | بقش
تمثل الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبئاً مالياً كبيراً على الشركات الأمريكية والعالمية، لذا فقد لجأت هذه الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها وسط ارتفاع تكاليف الشركات ومصانعها. فالشركات الأمريكية التي تعتمد على الواردات، مثل السلع الصينية أو الأوروبية، تدفع تكلفة أعلى، ولا تتحمل التكلفة وحدها، بل تمررها إلى المستهلكين النهائيين، مما يرفع الأسعار داخل السوق الأمريكي.
على سبيل المثال، أعلنت شركة “نايكي” الأمريكية للملابس الرياضية أن رسوم ترامب الجمركية ستكلفها نحو مليار دولار، ووصفت الرسوم بأنها عبء جديد وكبير على التكاليف، مشيرةً إلى أنها ستعمل على التخفيف الكامل من تأثير تلك التكاليف عبر تقليص اعتمادها على سلاسل التوريد من الصين، إضافة إلى رفع أسعار منتجاتها لتعويض الخسائر.
لكن الصين لا تزال مهمة لقاعدة التوريد العالمية لدى شركة نايكي، إلا أن الأخيرة تعتزم تقليص نسبة الواردات من الأحذية القادمة من الصين إلى الولايات المتحدة من 16% حالياً إلى أقل من 10% بحلول نهاية السنة المالية 2026، مع تحويل التوريد إلى دول أخرى.
ووفق مراجعات بقش، أثرت الرسوم بشكل واضح على نتائج نايكي للربع للرابع، إضافة إلى تأثيرات تراجع إنفاق المستهلكين، حيث انخفض صافي أرباح الشركة العملاقة بشكل حاد بنسبة 86% إلى 211 مليون دولار، مقارنة بـ1.5 مليار دولار خلال الفترة نفسها من 2024.
وستفرض شركة نايكي “زيادة جذرية” في الأسعار اعتباراً من خريف هذا العام في أمريكا، على مراحل، دون الإفصاح عن المنتجات التي ستتأثر، أو عن حجم الزيادة في الأسعار.
إعلان نايكي للمستثمرين عن رفع الأسعار، يعني أن هذه الشركة انضمت إلى سلسلة الشركات الكبرى التي لجأت إلى رفع الأسعار لتغطية تكاليف الرسوم. من هذه الشركات “وول مارت” التي رجَّحت في شهر مايو الماضي أن ترتفع الأسعار بسبب تأثيرات الرسوم، وهو ما رد عليه ترامب بأن على “وول مارت” أن تتحمل تكلفة الرسوم الإضافية دون أن ترفع الأسعار، متجاهلاً أن فرض مزيد من الرسوم يؤدي إلى تفاقم التضخم وفقاً لتحذيرات التحليلات الاقتصادية.
شركات أخرى ترفع سقف الأسعار
في تقرير أرباح الربع الأول من 2025، الذي اطلع عليه بقش والصادر في أواخر مايو الفائت، أعلنت سلسلة متاجر “ميسيز” الأمريكية عن خفض توقعات الأرباح هذا العام بسبب عوامل عدة أهمها ارتفاع الرسوم الجمركية وقيام المستهلكين بتخفيف إنفاقهم التقديري، لذا فإن ميسيز سترفع الأسعار على بعض المنتجات لمواكبة الرسوم الجمركية المرتفعة.
وقالت الشركة إن الأسعار المرتفعة “تشق طريقها إلى النظام ببطء”، وذلك بالتزامن مع خطط الشركة لإغلاق قرابة 150 متجراً دون المستوى المطلوب في جميع أنحاء أمريكا بحلول عام 2027، في ظل توجهها إلى توسيع علاماتها التجارية الفاخرة، بما في ذلك متجر بلومينجديلز الفاخر وسلسلة مستحضرات التجميل بلو ميركوري.
شركة “بلاك آند ديكر” الأمريكية لتصنيع الأدوات الكهربائية، قررت هي الأخرى تعويض تأثيرات الرسوم من خلال إجراءات سلسلة التوريد والتسعير، التي قد تؤخر إضفاء الطابع الرسمي على الرسوم الجمركية لمدة تتراوح بين شهرين وثلاثة أشهر.
وستكون هناك زيادات في أسعار “بلاك آند ديكر” بسبب رسوم ترامب الجمركية، ويشار إلى أن الشركة كانت تقوم بتقييم مجموعة من السيناريوهات المختلفة للتخطيط لمواجهة الرسوم الجمركية الجديدة خلال رئاسة ترامب.
الشركات خارج أمريكا
شركتا التجزئة الإلكترونية الصينيتان “شي إن” و”تيمو” أعلنتا منذ شهر أبريل الفائت أن تكاليف التشغيل لديهما ارتفعت بسبب “التغييرات الأخيرة في قواعد التجارة العالمية والرسوم الجمركية”، لذا فقد قررتا إجراء تعديلات على الأسعار.
وإلى جانب رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، ضيّق ترامب الخناق على ثغرة التجارة الضئيلة التي سمحت بدخول الطرود الصغيرة التي تقل قيمتها عن 800 دولار إلى الولايات المتحدة معفاة من الضرائب وفقاً لمتابعات بقش، وكانت “شي إن” و”تيمو” من أكبر المستفيدين من هذه الثغرة.
كما أعلنت شركة “فوكس فاجن” الألمانية لصناعة السيارات عن رفع أسعار منتجاتها في نهاية شهر يونيو الجاري، وكذا شركة “فيراري” الإيطالية التي سترفع الأسعار بنسبة تصل إلى 10% على بعض الطرازات المستوردة إلى أمريكا، وفضَّلت شركة “هيرميس” الفرنسية لتصنيع السلع الفاخرة رفع أسعارها في أمريكا فقط منذ شهر مايو لتعويض زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية.
ومن اليابان، قررت شركة نينتندو رفع الأسعار تماشياً مع تغييرات السوق، كما أعلنت شركة نيكون لمعدات التصوير الفوتوغرافي عن رفع الأسعار بدءاً من 23 يونيو الجاري، في حين لوحت شركة “كانون” بزيادة الأسعار أيضاً.
في النهاية، تبقى الشركات الأمريكية المتضرر الأول من الرسوم الجمركية المفروضة، فرغم أنها قد تستفيد نظرياً بحكم أن الرسوم تجعل المنتجات المستوردة أغلى فينافسها المنتج المحلي بسهولة، إلا أن الضرر يكون أكبر بسبب ارتفاع التكاليف على سلاسل التوريد العالمية وتعقيد الإنتاج، في حين يدفع المستهلك الأمريكي الثمن بتحمُّل الأسعار المرتفعة، إضافة إلى أن التضخم الحاصل خلال فترة رئاسة ترامب يجبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” على تشديد السياسات النقدية، بخلاف ما يريده الرئيس الأمريكي.