المبعوث الأممي يحذر من “وضع اقتصادي لا يُحتمل” في اليمن، ويدعو للبناء على تهدئة البحر الأحمر

متابعات محلية | بقش
دق المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، ناقوس الخطر بشأن الوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، واصفاً إياه بأنه “لا يُحتمل”، ومحذراً من أزمة اقتصادية عميقة تواجهها المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة عدن.
جاء ذلك في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي اليوم، التي حملت في طياتها بصيص أمل تمثل في ترحيبه بإعلان وقف الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة والسلطات في صنعاء، معتبراً إياه فرصة يجب البناء عليها لإحياء مسار السلام.
وفي مستهل إحاطته التي اطلع عليها بقش، رحب غروندبرغ بالإعلان الصادر في السادس من مايو الجاري بشأن وقف الأعمال العدائية بين الولايات المتحدة وقوات صنعاء، مؤكداً أن “هذه الخطوة تُعد تخفيفاً مهماً وضرورياً للتصعيد في البحر الأحمر واليمن”.
وشدد على أن هذا الإعلان يشكل فرصة ينبغي اغتنامها بشكل جماعي لإعادة تركيز الجهود نحو إيجاد حل للنزاع في اليمن وتعزيز عملية سلام شاملة يقودها اليمنيون بأنفسهم.
انهيار اقتصادي وشيك وأزمة خانقة في عدن
على الرغم من هذه البادرة الإيجابية، عرض المبعوث الأممي صورة قاتمة للتحديات الهائلة التي تواجه اليمن، بدءاً من “حالة عدم الثقة العميقة بين الأطراف، حيث لا يزال البعض يُعِد للحرب”، وصولاً إلى ما وصفه بـ”الانهيار الاقتصادي الوشيك”.
وأشار غروندبرغ إلى أن العملة اليمنية شهدت تدهوراً متواصلاً خلال الشهر الماضي، حيث تجاوز سعر الصرف حاجز 2,500 ريال يمني مقابل الدولار الأمريكي وفق قراءة بقش، في دلالة واضحة على عمق الأزمة.
وركّز غروندبرغ بشكل خاص على الأوضاع المتردية في مناطق سيطرة الحكومة في عدن، حيث يواجه المواطنون تدهوراً مستمراً في خدمات الكهرباء الأساسية.
أوضح أن انقطاع التيار الكهربائي وصل إلى 15 ساعة يومياً في مدينة عدن، فيما عانت محافظتا لحج وأبين المجاورتان من انقطاع كامل للتيار الكهربائي دام لأكثر من أسبوعين. هذه الأوضاع المزرية دفعت النساء إلى الخروج للشوارع في عدن يوم السبت الماضي للاحتجاج والمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتأمين حقوقهن الأساسية، في تحرك يعكس حجم اليأس والمعاناة.
وفي المقابل، أشار المبعوث الأممي إلى أن السكان في المناطق الخاضعة لسيطرة سلطات صنعاء يعانون أيضاً من تدهور حاد في القدرة الشرائية حسب اطلاع بقش، حيث لم تُصرف رواتب موظفي الخدمة المدنية بشكل كامل منذ سنوات، وتدهورت جودة أوراق العملة، وازداد شح السيولة النقدية.
وأضاف أنه مع تفاقم عجز المواطنين عن شراء أبسط السلع الأساسية، تتعرض أصوات المجتمع المدني هناك للقمع، وأكد غروندبرغ أن “التدهور الاقتصادي العام في كافة أنحاء اليمن يُبرز مدى الحاجة الملحة لمسار سياسي يسمح بالتعاون اللازم لتحقيق النمو الاقتصادي”.
أكد المبعوث الأممي أنه يواصل العمل بشكل مكثف مع الأطراف اليمنية والشركاء الإقليميين لإيجاد حلول للتحديات الاقتصادية واستئناف الحوار لتحقيق هذا الهدف. وشدد على التزام الأمم المتحدة بتقديم “بديل عملي يمنع التصعيد العسكري والاقتصادي، ويمنع احتمالية العودة إلى الحرب”، متعهداً بمواصلة العمل على جمع الأطراف على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حلول مقبولة للجميع ومتفق عليها.
ورداً على التشكيك في جدوى العملية السياسية وسط هذا الكم من الاضطرابات وفقدان الثقة، قال غروندبرغ: “قد يبدو للبعض أن العملية السياسية هدف غير واقعي وساذج، وأؤكد أن هذا التصور غير صحيح”، وأوضح حسبما طالعه بقش في الإحاطة أن “الأطراف التزمت بالفعل بالأسس التي ينبغي أن تشكل نقطة بداية لعملية سياسية في اليمن: وقف إطلاق نار على مستوى البلاد، واتخاذ تدابير لمعالجة القضايا الاقتصادية والإنسانية العاجلة، وعملية سياسية جامعة”.
ومع ذلك، أقرّ بأن “المواقف تزداد تصلباً بمرور الوقت، وتصبح التحديات أكثر تعقيداً”، مشدداً على أن اليمن لا يزال بحاجة ماسة إلى عناصر خارطة الطريق المتفق عليها للمضي قدماً.
وأشار إلى أن بيئة الوساطة شهدت تغيرات كبيرة منذ أواخر عام 2023، مؤكداً على الحاجة لضمانات إضافية تمكن الأطراف من المشاركة وتضمن دعم المنطقة والمجتمع الدولي ومجلس الأمن.
وخاطب اليمنيين قائلاً: “عانى اليمنيون لأكثر من 10 سنوات من عدم الاستقرار والاضطرابات والانهيار الاقتصادي، وأقول لهم: أعلم حجم معاناتكم، وأسمع نداءكم، ولن نتجاهلكم”.
وفي ختام إحاطته، أكد غروندبرغ أن “الوضع الحالي لا يُحتمل” وأن اليمنيين يتطلعون للمضي قدماً، مشدداً على ضرورة استمرار انخراط المجتمع الدولي لدعمهم في تحقيق تطلعاتهم، وأهمية دعم جيران اليمن والشركاء الدوليين لضمان عملية سياسية جامعة. ودعا إلى مضاعفة الجهود لتقديم “بديل موثوق للحرب ورؤية لليمن تتجاوز الوضع الراهن والركود”، مؤكداً أن السلام والأمن الحقيقيين لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال التزام دولي وتنسيق ونهج مشترك وطويل الأمد.