القمة 25 لمنظمة شنغهاي للتعاون: كيف ستبدأ ملامح النظام العالمي الجديد بقيادة الصين؟

الاقتصاد العالمي | بقش
انطلقت اليوم الأحد في مدينة تيانجين الساحلية الصينية أعمال القمة الخامسة والعشرين ، بمشاركة قادة أكثر من عشرين دولة، في حدث يوصف بأنه الأبرز على الأجندة الدبلوماسية الصينية هذا العام، وسط محاولات بكين وموسكو تقديم التكتل كبديل للنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة.
وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صباح الأحد إلى تيانجين، حيث كان في استقباله نظيره الصيني شي جينبينغ. وقدمت بكين مراسم استقبال رسمية لافتة، في مشهد يعكس قوة التحالف بين البلدين ورغبتهما في إظهار جبهة موحدة أمام الغرب.
وتُعد هذه القمة الأكبر منذ تأسيس المنظمة عام 2001، إذ تجمع قادة روسيا والهند وكازاخستان وباكستان وإيران، إلى جانب مشاركات من تركيا ومصر وممثلين أمميين بارزين، بينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
أجندة طموحة بين الرمزية والفعالية
وفقاً لما نشرته صحف ووكالات عالمية عديدة، يبحث القادة اعتماد “إعلان تيانجين” الذي يحدد توجهات استراتيجية لعقد مقبل، تشمل التعاون الأمني، تعزيز الشراكة الاقتصادية، وتطوير ما يُعرف بمشروع “الشراكة الأوراسية الكبرى” بقيادة الصين وروسيا. كما يجري النقاش حول إعادة هيكلة العلاقات المالية بما يقلل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وتوسيع استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري.
تؤكد الصين أن المنظمة تمثل منصة لتعددية قطبية أكثر توازناً، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحديات تتعلق بفعالية مؤسساتها وحدود تعاونها الفعلي، خصوصاً في ظل تباينات مواقف الأعضاء مثل الهند وروسيا وإيران.
ومع ذلك، فإن الاستعراض السياسي في تيانجين يُعتبر رسالة واضحة إلى الغرب بأن الصين لم تعد مجرد قوة اقتصادية، بل تسعى لترسيخ دورها كقطب استراتيجي في النظام العالمي.
تقارب صيني – هندي: استئناف الرحلات الجوية بعد خمس سنوات
وفق رويترز ووكالة أسوشيتد برس، كان حضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى جانب بوتين وشي جينبينغ من أبرز مشاهد القمة، رغم الخلافات الحدودية الصينية-الهندية. هذا الاصطفاف الثلاثي يُنظر إليه كمحاولة لإحياء صيغة “RIC” (روسيا-الهند-الصين) ضمن إطار المنظمة، بما يعزز من ثقلها في مواجهة الغرب.
وفي تطور لافت على هامش القمة، كشفت شبكة بلومبيرغ نقلاً عن تصريحات رسمية أن الهند والصين اتفقتا على استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام أكثر من خمس سنوات حسب اطلاع بقش.
وأعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عقب اجتماعه مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في تيانجين، أن البلدين توصلا إلى توافق بشأن إدارة الحدود وتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي، في خطوة تُعد الأولى من نوعها منذ الاشتباكات الدامية التي وقعت بين جيشي البلدين في جبال الهيمالايا عام 2020.
الاتفاق الجديد يعكس رغبة الطرفين في ترميم العلاقات المتوترة، خصوصاً بعد أن سمحت نيودلهي في يوليو الماضي بعودة التأشيرات السياحية للمواطنين الصينيين وفق قراءة بقش. شركات الطيران مثل إير إنديا وإنديغو الهنديتين أبدتا استعداداً فورياً لاستئناف الرحلات، إلى جانب شركات الطيران الصينية الكبرى مثل إير تشاينا وتشاينا إيسترن. هذا التقارب يُقرأ على أنه إشارة إلى أن “التنين والفيل” يسعيان لإعادة ضبط علاقاتهما بما يخدم مصالحهما الاقتصادية في مواجهة الضغوط الأمريكية المتزايدة.
كما شهدت القمة مشاركة قادة من آسيا الوسطى، وهي المنطقة التي تراها بكين مجالاً حيوياً لتوسيع نفوذها عبر مبادرة “الحزام والطريق”.
الغرب يراقب السياق الجيوسياسي بحذر
تأتي القمة في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتفاقم التوتر مع الولايات المتحدة. وفي حين يصر بوتين على أن التعاون في إطار المنظمة يوفر مظلة بديلة للضغط الغربي، ترى الصين أن تعزيز هذا التكتل هو وسيلة لترسيخ “نظام دولي أكثر عدلاً” وفق خطابها الرسمي.
صحيفة وول ستريت جورنال أشارت إلى أن القمة تحمل رسائل غير مباشرة للغرب بأن بكين قادرة على تقديم “تحالف غير غربي” يتحدى الهيمنة الأمريكية. في المقابل، يشكك محللون في قدرة المنظمة على ترجمة هذه الخطابات إلى نفوذ عملي، خصوصاً مع الانقسامات الداخلية بين أعضائها حول ملفات مثل العلاقة مع واشنطن أو إدارة الخلافات الإقليمية.
على مستوى آسيا الوسطى، ستسعى بكين لترسيخ حضورها الاقتصادي والأمني على حساب النفوذ الغربي. وفيما يخص النظام المالي العالمي تدفع الصين نحو تعزيز الدفع بالعملات المحلية في التجارة قد يقلل تدريجياً من اعتماد بعض الدول على الدولار.
وبشكل عام يرى الغرب أن القمة تمثل تحدياً رمزياً أكثر من كونها عملياً، لكنها تكشف عن اتجاه متزايد لتشكيل توازن عالمي بديل تقوده الصين وروسيا.
فتزامناً مع القمة، شهدت بكين عرضاً عسكرياً لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما اعتُبر امتداداً للرسائل السياسية الموجهة للغرب بأن الصين تسعى إلى إعادة كتابة قواعد النظام الدولي، عبر تحالفات متعددة الأطراف.
بين الخطاب السياسي والاقتصادي الطموح والواقع المعقد، تبقى قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين محطة محورية في سعي الصين وروسيا إلى إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي. ورغم التساؤلات حول مدى فعالية المنظمة، فإن مجرد اصطفاف قادة مثل بوتين ومودي وشي جينبينغ تحت سقف واحد، يرسل إشارة واضحة: النظام العالمي الأحادي القطبية يواجه تحدياً متصاعداً، ومنظمة شنغهاي تسعى لأن تكون عنوانه الجديد.