الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

الكشف عن أسباب التقلبات السعرية في أسواق أهم محافظات جنوب اليمن

تشهد عدد من الأسواق في محافظتي عدن ولحج تحولاً اقتصادياً لافتاً ومقلقاً، حيث بدأت التعاملات التجارية، خاصة في تسعير السلع، تتجه بشكل متزايد نحو الاعتماد على الريال السعودي، وسط الانهيار المتواصل لقيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.

ويأتي هذا التحول وسط غياب ملحوظ لأي إجراءات فعالة من قبل الجهات النقدية الرسمية ممثلة ببنك عدن المركزي لكبح جماح هذا التدهور الذي يفاقم معاناة المواطنين اليومية في هاتين المحافظتين الحيويتين.

وقد أكد العديد من تجار التجزئة في أسواق عدن ولحج أنهم يواجهون ضغوطاً هائلة للحفاظ على استمرارية أعمالهم وسط تقلبات سعر الصرف الحادة وفق متابعات بقش. وأوضح أصحاب محال تجارية في المحافظتين أن تجار الجملة والموردين الرئيسيين أصبحوا يسعّرون بضائعهم بشكل شبه كامل بالعملات الصعبة، مطالبين بسداد قيمة الفواتير بالريال السعودي أو الدولار الأمريكي.

وأشاروا إلى أن “فواتير الشراء التي تصلنا مدوّن عليها الأسعار بالعملة الصعبة حصراً، ولم يعد للريال اليمني أي ذكر في هذه المعاملات الأساسية مع الموردين”.

ونتيجة لذلك، يجد تجار التجزئة في عدن ولحج أنفسهم مضطرين لمتابعة أسعار الصرف بشكل شبه يومي، وتعديل أسعار بيع السلع للمستهلكين بشكل مستمر ومتصاعد، تجنباً لتكبد خسائر فادحة.

في هذا الصدد يشرح الخبير الاقتصادي “أحمد الحمادي” لمرصد بقش بأن معظم التجار في عدن “مجبرون على ربط أسعارهم بسعر الصرف السائد لتغطية تكاليف الشراء بالعملة الصعبة التي يفرضها عليهم تجار الجملة” مضيفاً أن هذا التحرك يعد “مسألة بقاء بالنسبة لهم، مالم سيواجهون الإفلاس المحتوم” حد تعبيره.

هذه الحلقة المفرغة من تسعير الجملة بالعملة الصعبة وتعديل أسعار التجزئة بشكل يومي -وفقاً للحمادي- تنعكس بشكل مباشر وقاسٍ على المستهلك النهائي، أي المواطن العادي. فأسعار السلع، وخاصة المواد الغذائية الأساسية، تشهد ارتفاعات مستمرة تفوق قدرة الكثيرين على التحمل، وسط غياب للرقابة الفعالة أو آليات لضبط الأسعار في ظل هذه الظروف الاستثنائية.

ويعاني الموظفون الحكوميون وأصحاب الدخل المحدود بشكل خاص، حيث تتآكل قيمة رواتبهم الضئيلة، التي تقدر في كثير من الأحيان بأقل من خمسين دولاراً أمريكياً، مع كل ارتفاع جديد في سعر صرف العملات الأجنبية.

“دولرة” الاقتصاد.. هروب من الانهيار أم تعميق للأزمة؟

يُعرف التحول نحو استخدام عملة أجنبية مستقرة بدلاً من العملة المحلية المتدهورة في المعاملات اليومية والتسعير بظاهرة “الدولرة” أو استبدال العملة.

وفي حالة عدن ولحج والعديد من المحافظات اليمنية، يبدو أن الريال السعودي يقوم بهذا الدور بشكل متزايد. وقد يرى بعض التجار في هذا التحول وسيلة لحماية رؤوس أموالهم من التآكل السريع الناتج عن انهيار قيمة الريال اليمني، مما يوفر قدراً من الاستقرار النسبي في حسابات التكلفة والربح، ومع ذلك، فإن هذا التوجه، الذي يتجلى بوضوح الآن في عدن ولحج، يحمل في طياته مخاطر كبيرة على الاقتصاد الوطني ككل.

يضيف “الحمادي” لـ”بقش” أن الاعتماد المتزايد على عملة أجنبية في التعاملات الداخلية في مناطق رئيسية كعدن ولحج يقوّض السيادة النقدية للدولة ويضعف قدرة البنك المركزي على التأثير في الاقتصاد من خلال أدوات السياسة النقدية التقليدية.

كما أنه يعمق الانقسام الاقتصادي والاجتماعي، حيث يستفيد بشكل أكبر أولئك الذين لديهم وصول مباشر للعملة الصعبة (مثل متلقي الحوالات الخارجية)، بينما يتضرر بشدة من يعتمدون على الدخل بالعملة المحلية، مما يزيد من فجوة التفاوت ويفاقم التوترات الاجتماعية داخل هذه المجتمعات.

تحديات أمام الاستقرار الاقتصادي المستقبلي

يشير لجوء الأسواق إلى عملة أجنبية إلى انعدام الثقة العميق في العملة الوطنية وفي قدرة السلطات على إدارة الاقتصاد، وهذا الوضع لا يعرقل فقط الحياة اليومية للمواطنين ويزيد من تعقيدات المعاملات التجارية، بل يشكل أيضاً تحدياً كبيراً أمام أي جهود مستقبلية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في البلاد.

فعملية استعادة الثقة في العملة الوطنية وإلغاء “الدولرة” عملية طويلة ومعقدة تتطلب إصلاحات اقتصادية وهيكلية جذرية واستعادة للاستقرار السياسي والأمني.

وليس الوضع في عدن ولحج مجرد أزمة أسعار صرف، بل هو عرض لأزمة اقتصادية أعمق تتطلب حلولاً شاملة تتجاوز الإجراءات المؤقتة، على رأسها توحيد السياسة النقدية والبنك المركزي، إلى جانب عودة مصادر العملة الصعبة مثل صادرات النفط والغاز.

ويستدعي الوضع أن تعمل السلطات النقدية والحكومية بشكل جاد على استعادة استقرار سعر الصرف، وضبط الواردات، ومكافحة المضاربة، بالتوازي مع جهود مكافحة الفساد وتحسين الإيرادات العامة المتناثرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى