الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

المعركة بين القضاء والبيت الأبيض تتصاعد… مستقبل الرسوم الجمركية على المحك

الاقتصاد العالمي | بقش

في مواجهة جديدة بين القضاء والإدارة الأمريكية، أعلنت إدارة الرئيس دونالد ترامب أنها ماضية في مفاوضاتها التجارية مع عدد من الشركاء الدوليين، على الرغم من حكم محكمة الاستئناف الفيدرالية في واشنطن بعدم قانونية الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس.

الممثل التجاري الأمريكي، جيميسون غرير، أوضح في مقابلة تلفزيونية أن الدول المتعاملة مع واشنطن لم توقف اتصالاتها، مؤكداً استمرار المحادثات بشأن صفقات جديدة رغم قرار المحكمة.

ولم يكشف غرير عن هوية الدول المشاركة في المفاوضات، لكنه أشار إلى اجتماعات مباشرة مع مسؤولين تجاريين، بما يعكس إصرار الإدارة على المضي قدماً في استراتيجيتها القائمة على فرض الرسوم كأداة ضغط وفق اطلاع بقش.

وأعلنت الإدارة الأمريكية استمرارها في التفاوض على اتفاقاتٍ تجارية جديدة، على الرغم من حكمٍ لمحكمة الاستئناف الفدرالية (7 مقابل 4) يقضي بأن الرئيس لا يملك صلاحية فرض رسومٍ واسعة تحت قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية (IEEPA)، مع إبقاء الرسوم سارية مؤقتاً حتى 14 أكتوبر بانتظار استئناف لدى المحكمة العليا.

نطاق الرسوم قبل الحكم وما بعده

كانت “رسوم يوم التحرير” قد فرضت تعريفة أساسية 10% على جميع الواردات تقريباً بدءاً من 05 أبريل حسب متابعة بقش، تليها نسب أعلى على عشرات الدول، لتغطي الرسوم نحو 69% من واردات السلع الأمريكية (نحو 2.3 تريليون دولار) على أساس قيم 2024.

الحكم الأخير ينسف معظم هذه الرسوم المعتمدة على قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية، بينما تبقى الرسوم القائمة على أُطر قانونية أخرى نافذةً ريثما تُحسم الدعوى.

لا يتأثر بالحكم رسوم القطاع على الصلب والألومنيوم بموجب المادة 232؛ إذ رفعت الإدارة في يونيو الرسم إلى 50%، ثم وسّعت وزارة التجارة في 19 أغسطس نطاقه ليشمل 407 فئاتٍ إضافية من مشتقات الصلب والألومنيوم، ما يعني اتساع قاعدة السلع الخاضعة لرسوم 50% خارج إطار قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية.

حتى يونيو 2025، جمعت الرسوم الجديدة نحو 93.9 مليار دولار فقط؛ أي قرابة 5% من العجز الفدرالي المتوقع لعام 2025 (1.9 تريليون دولار) وقرابة 1.8% من إجمالي الإيرادات الفدرالية المتوقعة (5.2 تريليون دولار) – أقل بكثير من وعود المساهمة الكبيرة في سد العجز، وفق بيانات جمعها بقش.

التكلفة على الأسر والنمو

تُقدّر تحليلاتٌ مستقلة أن الرسوم تعادل زيادةً ضريبيةً صافية على الأسر الأمريكية (نحو 1,300 دولار للأسرة المتوسطة في 2025 وفق تقديرٍ شائع)، كما يُرجّح نموذج بن وورتون أن تؤدي الرسوم (إن استمرت على نطاقها المُعلن في أبريل) إلى خفضٍ طويل الأمد في الناتج المحلي بنحو 6% والأجور بنحو 5%، وخسارةٍ تراكمية تُقارب 22 ألف دولار لأسرة ذات دخل متوسط على مدى العمر.

حتى إذا ثُبّت بطلان الرسوم تحت قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية، قد تلجأ الإدارة إلى أدوات أضيق مثل المادة 122 من قانون التعرفة لعام 1974 التي تُجيز رسماً حتى 15% لمدة 150 يومًا (قابلة للتمديد تشريعيًا)، أو إلى المادة 338 لعام 1930؛ لكن هذه المسارات أقل اتساعاً زمنياً ونِسبياً، وتمنح المدعى عليهم مساحة أوسع للطعن.

إلى ذلك تسود أوساط الشركاء التجاريين حالة “ترقّب وحذر” في تنفيذ تفاهماتٍ غير مُلزمة بانتظار مآلات التقاضي، فيما تصف جهات ادعاءٍ في ولاياتٍ عدة الرسوم بأنها “ضريبة على الأمريكيين” ترفع تكاليف المعيشة وتُضعف التوظيف، وهو موقفٌ دعمته أحكام المحكمة التي شددت على أن فرض الرسوم من اختصاص الكونغرس أساساً.

وبينما يواصل ترامب دفاعه عن نهجه، مؤكداً أنه سيرفع القضية إلى المحكمة العليا، يبقى مصير استراتيجيته التجارية معلقاً بين مسارين: الأول قانوني قد يلغي معظم إجراءاته، والثاني سياسي يصر على المضي في استخدام الرسوم الجمركية كورقة ضغط، حتى لو كانت المحاكم الفيدرالية ترى أنها غير دستورية.

الدول الأكثر تضرراً من الرسوم: تأثير مكثف ومتفاوت

فرضت الإدارة الأمريكية رسوماً جمركية بلغت 50% على صادرات الهند، تشمل قطاعات مثل المنسوجات والمجوهرات والروبيان، ما يجعل نحو 66% من الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة معرضة بشدة لهذا العبء الجديد. هذا التعريف من المرجح أن يُسجل خسارة تصل إلى 1% من الناتج المحلي الإجمالي للهند بسبب تقلص الطلب الأمريكي.

كما أثرت الرسوم الجمركية بشكل فادح على اقتصاد ليسوتو الصغيرة، حيث تعتمد البلاد بشكل أساسي على صادرات الملابس إلى الولايات المتحدة حسب قراءة بقش. بعد ارتفاع الرسوم، أُلغيت طلبات واستجابت مصانع بالإغلاق، ما أدى إلى تسريح آلاف العمال؛ خاصةً النساء اللاتي يشكلن النسبة الأكبر من العاملات في هذا القطاع.

أظهرت دراسة حديثة أن العديد من الدول ذات الدخول المنخفض مثل ميانمار ولاوس وكمبوديا، وُضعت رسوماً “عالية جداً”، تتراوح بين 36% إلى 40%، بينما كانت الدول الغنية (كالولايات المتحدة نفسها أو حلفاؤها) تدفع في المتوسط فقط 10–15%. الأمر الذي يفضح التفاوت الصارخ والتأثير المهدد لمستقبل هذه الاقتصادات الصغيرة.

ولم تكن الدول الغنية بمنأى عن الرسوم، فقد سجلت سويسرا والبرازيل رسوماً تتراوح بين 39% إلى 41%، مع ما رُفضَ تسميته إلا “ابتزازاً غير مقبول”، هذه الرسوم بينما تأتي في إطار سياسات “المعاملة المتبادلة”، إلا أنها ضربت الاقتصادات المتقدمة بكتلة رسومية ثقيلة غير محسوبة.

من الهند العملاقة إلى ليسوتو الصغيرة، ومن دول جنوب شرق آسيا الأقل نمواً إلى الاقتصادات المتطورة، جميعها تلقت ضربة شرسة من سياسة الرسوم الجمركية، سواء في شكل خسائر مباشرة في الصادرات أو تصاعد التوترات التجارية والدبلوماسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش