الاقتصاد اليمني

انقسام خطير داخل الحكومة اليمنية.. وزراء ومسؤولون يؤيدون “الانفصال” والرئاسة تتابع بقلق

الاقتصاد اليمني | بقش

في تصعيد سياسي خطير يؤكد عمق التصدعات داخل بنية السلطة التنفيذية اليمنية، شهدت مناطق حكومة عدن خلال أيام قليلة واحدة من أخطر موجات التباين العلني بين مكونات الحكومة، بعد أن أعلن وزراء ومسؤولون حكوميون تأييدهم الصريح لدعوات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً الرامية إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله، في حين اعتبرت الرئاسة هذه المواقف خروجاً جسيماً على الدستور والقانون، وإضراراً مباشراً بالمركز القانوني للدولة ووحدة القرار السياسي.

وكانت البداية بإعلان عدد من الوزراء والمسؤولين في حكومة عدن تأييدهم لما وصفوه بإعلان دولة الجنوب العربي، استجابة لدعوات أطلقها المجلس الانتقالي، الشريك في الحكومة والمجلس الرئاسي.

هذا الإعلان جاء عبر بيانات مكتوبة ومصورة نُشرت في وسائل إعلام ومنصات تابعة للمجلس الانتقالي. ووفق متابعات بقش، ضمّت قائمة المعلنين للتأييد أسماء وزراء ومسؤولين بارزين، من بينهم وزير الخدمة المدنية والتأمينات عبدالناصر الوالي، ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد سعيد الزعوري، ووزير الكهرباء مانع بن يمين، ووزير الزراعة والثروة السمكية سالم السقطري، ووزير الدولة محافظ محافظة عدن أحمد لملس.

وثمة وزراء انضمّوا إلى دعوة الانتقالي وهم من خارج حصته، مثل وزير الأشغال العامة والطرق سالم الحريزي، ووزير التخطيط القائم بأعمال وزير الاتصالات واعد باذيب.

كما أعلن نواب وزراء ووكلاء وزارات تأييدهم للانفصال، أبرزهم نواب وزراء المياه والإعلام والأوقاف والإدارة المحلية والعدل والشؤون القانونية والشباب والرياضة والصحة. ووفق متابعات بقش أيّد أيضاً رئيس هيئة الأراضي، ورئيس مصلحة الضرائب، ومحافظ سقطرى، ومحافظ أبين.

هؤلاء المسؤولون موالون بالأساس للمجلس الانتقالي، إلا أن إعلانهم جاء بشكل أحادي، ويتناقض بشكل واضح مع توجهات الحكومة التي ينتمون إليها، ومع المرجعيات الدستورية والقانونية الحاكمة للمرحلة الانتقالية.

ويبرر المجلس الانتقالي الجنوبي دعواته الانفصالية باتهام الحكومات المتعاقبة بتهميش المناطق الجنوبية سياسياً واقتصادياً.

ولاء معلن لقيادة الانتقالي

أوضح مثال على هذا التوجه جاء في الكلمة المصورة المقتضبة التي أدلى بها وزير الخدمة المدنية والتأمينات عبدالناصر الوالي، التي تابعها بقش، حيث أعلن الوالي صراحة أن قيادة وزارة الخدمة المدنية تؤيد كافة قرارات وتوجهات “قيادة شعب الجنوب”، ممثلة بالانتقالي.

وقال الوالي إن هذه التوجهات تهدف إلى تأمين حق الجنوبيين في إقامة دولتهم، داعياً المجتمعين الإقليمي والدولي إلى تقبّل وتفهّم واحترام ما وصفه بـ”حق شعب الجنوب في إنفاذ إرادته”.

وردّت الرئاسة بأن رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي تابع البيانات والتصريحات الصادرة عن بعض الوزراء والمسؤولين، معتبراً البيانات تضمنت مواقف سياسية لا تندرج ضمن مهامهم الوظيفية، ولا تنسجم مع المرجعيات الدستورية والقانونية الناظمة للمرحلة الانتقالية، ولا مع طبيعة عمل مؤسسات الدولة. وعلى هذا الأساس.

رشاد العليمي وجّه الحكومة والسلطات المعنية باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية بحق أي تجاوزات تمس وحدة القرار، أو تحاول فرض سياسات خارج الأطر الدستورية ومرجعيات المرحلة الانتقالية.

وحذّرت الرئاسة من استغلال السلطة واستخدام الصفة الوظيفية أو المنصب الرسمي لتحقيق مكاسب سياسية يشكل خرقاً جسيماً للدستور والقانون وواجبات الوظيفة العامة، ويعد إضراراً مباشراً بوحدة السلطة التنفيذية، ومساساً بالسلم الأهلي، والتوافق الوطني القائم، بما يستوجب المساءلة القانونية ومعاقبة المتورطين.

وحاولت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة تلافي الموقف بعد أن أعلن نائب الوزير، صلاح العاقل، عن تأييده لدعوة المجلس الانتقالي للانفصال. وقال الوزارة إن مؤسساتها تعمل وفق الدستور والقانون، وترفض الزج بها في أي اصطفاف أو مشاريع سياسية أحادية، وذكرت الوزارة أن أي استخدام الصفة الوظيفية أو الرسمية للتعبير عن مواقف سياسية خارج الأطر الدستورية يُعد مخالفة جسيمة تستوجب المساءلة.

واعتبرت أن المواقف المتداولة تنطوي على توصيفات ومسميات تخالف صراحة المرجعيات الدستورية والقانونية الحاكمة للمرحلة الانتقالية، والدستور والقوانين النافذة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

بدورها أعلنت وزارات الشباب والرياضة، والأوقاف، والعدل، والصناعة والتجارة، رفضها التام لأي مواقف أو بيانات ذات طابع سياسي تصدر عن بعض منتسبيها حسب تتبُّع بقش. وأكدت هذه الوزارات أن ما يتم تداوله لا يمت بصلة لاختصاصاتها القانونية والمؤسسية، ويعد مخالفة صريحة للمرجعيات الدستورية والقانونية الناظمة لعملها.

وفي بيان منفصل، شددت وزارة الصناعة والتجارة على أنها لا علاقة لها بأي مواقف أو قرارات صادرة خارج الأطر الدستورية والقانونية، مؤكدة أهمية الحفاظ على استقرار بيئة الأعمال والأنشطة الاقتصادية. وحذرت الوزارة من أن الزج بالمؤسسات الخدمية في صراعات سياسية من شأنه الإضرار بالمصالح العامة، والتأثير سلباً على مناخ الاستثمار وثقة القطاع الخاص واستمرارية سلاسل الإمداد، بما ينعكس على الاستقرار الاقتصادي والأمن الغذائي للمواطنين.

موقف دولي

على الصعيد الدولي، شددت بريطانيا، إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، على دعمها لحكومة عدن ووحدة أراضي اليمن.

وقالت السفيرة البريطانية لدى اليمن عبدة شريف إنها عقدت اجتماعاً مثمراً مع رئيس الوزراء سالم بن بريك في العاصمة السعودية الرياض، مؤكدة أن الحكومة تركز على توفير الخدمات والأمن لليمنيين، رغم السياق الصعب، وأن الهدف المشترك هو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً، مع التشديد على أهمية وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه.

وتأتي هذه التطورات السياسية في ظل واقع ميداني بالغ التعقيد، يتمثل في استمرار سيطرة قوات المجلس الانتقالي على محافظتي حضرموت والمهرة.

وأعلن رئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي علي عبد الله الكثيري رفضه أي مطالب بسحب القوات المسلحة الجنوبية من وادي وصحراء حضرموت. ورغم تصاعد الدعوات المحلية والإقليمية المطالبة بانسحاب قوات المجلس من حضرموت والمهرة، وسط تحذيرات من تداعيات التصعيد في بلد يعاني أزمة إنسانية واقتصادية خانقة، لم تُفضِ الدعوات إلى نتائج ملموسة على الأرض حتى الآن.

ويقف اليمن أمام واحدة من أكثر اللحظات السياسية حساسية منذ تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل 2022. فإعلان مواقف انفصالية من داخل الحكومة، مقابل ردود رئاسية ووزارية قلقة، وتوترات ميدانية في الشرق والجنوب، كلها عناصر تجعل الأزمة الراهنة اختباراً لقدرة حكومة عدن المدعومة من السعودية على الحفاظ على وحدة القرار، وتجنب انزلاق جديد قد يعمق الانقسام السياسي والجغرافي في بلد أنهكته الحرب والصراعات.

زر الذهاب إلى الأعلى