تقارير
أخر الأخبار

بسبب التعزيزات العسكرية المصرية في سيناء.. إسرائيل تعلق اتفاق الغاز التاريخي مع مصر

تقارير | بقش

تسير الأمور على غير ما يرام بشأن الاتفاق بين إسرائيل ومصر الذي تم الإعلان عنه في أغسطس الماضي، الخاص بتوريد 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى مصر حتى عام 2040، بقيمة 35 مليار دولار كأكبر اتفاق في تاريخ إسرائيل، حيث نشرت صحيفة يسرائيل هيوم العبرية تقريراً يتضمن توجيهاً إسرائيلياً رسمياً بتأجيل هذا الاتفاق.

الصحيفة قالت إن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وجه بألا يتم المضي قدماً في الاتفاق بدون موافقته الشخصية، وذكرت أنه سيبحث تفاصيل الصفقة مع وزير الطاقة الإسرائيلي وأعضاء الكابينت الأمني السياسي.

اختراق لـ”معاهدة السلام” في سيناء

هذا القرار مرتبط بتقارير تفيد بأن مصر رفعت من عدد قواتها العسكرية في سيناء، وزادت من حجم العتاد والأسلحة المنتشرة هناك، وهو ما تعتبره أوساط إسرائيلية خرقاً للملحق العسكري في معاهدة السلام “كامب ديفيد”.

ووفق متابعة بقش، زادت مصر من حجم قواتها العسكرية في سيناء، عبر نشر وحدات إضافية وتعزيزات عسكرية، في إطار ترتيبات مرتبطة بتأمين الحدود الشرقية مع ازدياد مخاطر تدفق اللاجئين الفلسطينيين تزامناً مع توسيع عملية الاحتلال العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، وقد أثارت هذه الخطوة تساؤلات في الأوساط الإسرائيلية حول مدى توافقها مع نصوص الاتفاقية.

وعززت مصر في سيناء بما يقارب 88 كتيبة عسكرية تضم نحو 42 ألف جندي، إلى جانب أكثر من 1500 دبابة وآلية مدرعة، فضلاً عن تطوير قواعد عسكرية ومدارج طائرات وأنظمة دفاع جوي في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة.

لذا فإن تعليق المضي في اتفاق الغاز غير مرتبط بجوانب اقتصادية فقط، بل يحمل بعداً سياسياً وأمنياً حسب يسرائيل هيوم، حيث يرغب نتنياهو في استخدام ورقة الطاقة ضمن معادلة الضغط المتبادل مع القاهرة التي تعاني من أزمة طاقة متفاقمة مع تحولها إلى مستورد للغاز.

وكانت الصفقة تشكّل خطوة محورية في مسار تعزيز مكانة مصر مركزاً إقليمياً للطاقة، إذ سيتضاعف حجم تصدير الغاز “ثلاث مرات”، وفي الوقت نفسه تضمن لإسرائيل منفذاً إضافياً إلى الأسواق الأوروبية حسب تقارير سابقة لمرصد بقش. وعقب الإعلان عن الصفقة، كان وزير الطاقة الإسرائيلي قال إن توقيع أكبر صفقة غاز في التاريخ يُعد خبراً هاماً من الناحية الأمنية السياسية وكذلك من الناحية الاقتصادية، و”يرسخ مكانتنا كقوة إقليمية رائدة في مجال الطاقة يعتمد عليها جيراننا ويحتاجون إليها”.

وذلك ما أثار تحليلات بأن الصفقة قد تزيد من تبعية مصر للغاز الإسرائيلي واعتمادها عليه، في مقابل منفعة كبيرة لاقتصاد إسرائيل كون الصفقة ستدر مليارات الدولارات إلى الخزينة الإسرائيلية.

وفي تعليق مصري، قال السفير أيمن زين الدين إنه لو صح تعليق العمل على اتفاقية الغاز بناءً على أوامر نتنياهو، فإن هذه الخطوة تمثل “فرصة ممتازة لمصر لإلغاء هذا الاتفاق غير الموفق” حسب تعبيره، مضيفاً أن الاتفاق ذو آثار خطيرة على المدى البعيد.

الآثار الخطيرة على مصر

في السابع من أغسطس الماضي أعلنت شركة نيومد إنرجي الإسرائيلية للطاقة (الشريكة في حقل ليفياثان الغازي مع شركة شيفرون الأمريكية) عن إبرام اتفاق تصدير الغاز إلى مصر بنحو 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040، بقيمة تقارب 35 مليار دولار، مع خطط لتوسعة البنية التحتية ورفع الطاقة التصديرية تدريجياً.

الصفقة تم تسويقها كحل لأزمة الكهرباء والوقود في مصر، لكنها تنطوي على مجموعة واسعة من المخاطر البنيوية والاقتصادية والسياسية والأمنية التي قد تُقيِّد خيارات القاهرة لسنوات.

فإضافة إلى مسألة زيادة “التبعية” لإسرائيل في ملف الطاقة، قد تعاني القاهرة من ارتفاع فاتورة الطاقة بالعملة الصعبة، مما يضغط على ميزان المدفوعات وسعر الصرف، ويضيق هوامش الموازنة في ظل التزامات ديون مرتفعة.

كما أن هناك قابلية لانقطاع الإمدادات بفعل الاضطرابات الإقليمية، فقد ثبت خلال عامي 2023 و2025 أن التدفقات الغازية من إسرائيل إلى مصر يمكن أن تتوقف أو تتقلص بسبب التصعيد العسكري أو أعمال الصيانة في الحقول الإسرائيلية، ما دفع مصر لاستخدام وقود بديل أعلى كلفة وأكثر تلويثاً، وأجبر صناعات (خصوصاً الأسمدة) على خفض الإنتاج، وربط كهرباء مصر بهذا المصدر حتى 2040 يزيد كُلفة أي توقف مفاجئ.

وحسب قراءة بقش، فإن الصفقة من شأنها أن تفاقم أزمة الكهرباء المصرية بدلاً من علاج أسبابها، حيث شهدت مصر خلال عامي 2024 و2025 موجات قطع مبرمج للكهرباء لساعات يومياً بسبب نقص الوقود والحرارة الشديدة، وبدلاً من تسريع معالجة فجوات الإنتاج المحلي وكفاءة الاستهلاك، يكرّس الاتفاق مع إسرائيل الحلول السهلة (الاستيراد طويل الأجل) ما قد يؤخر الإصلاحات الضرورية في الإنتاج، والتوزيع، وكفاءة المحطات، وإدارة الطلب. وبالتالي يعمّق ذلك من هشاشة المنظومة الكهربائية المصرية، وتكرار موجات الغضب الشعبي.

كما أن الاتفاق يُضعف من طموح مصر في التحول إلى مركز طاقة إقليمي على المدى المتوسط، فقد كانت استراتيجية القاهرة تراهن على فائضها من الغاز لإعادة التسييل في إدكو ودمياط وإعادة التصدير. وانخفاض الإنتاج المحلي وتفضيل واردات أنابيب من إسرائيل يعيدان تعريف مصر كمُعالج لا كمنتِجٍ ذي فائض مستدام وفق تحليلات بقش، مما يقوّض سردية “المركز الإقليمي” ويعتمد على استقرار طرف خارجي واحد.

كما أن هناك هشاشة اجتماعية سياسية داخلية في مصر، فالصفقة أُبرمت بينما الرأي العام المصري منخرط وجدانياً في مأساة غزة، وحتى إن كانت الحسابات تجارية بحتة، فإن أي تعثّر كهربائي لاحق سيُقرأ شعبياً كفشل مُكلِف سياسياً.

إضافة إلى ذلك، العقود الممتدة حتى عام 2040 تعني المرور بدورات سعرية وتشريعية متعاقبة، من رسوم كربون وضرائب ومراجعات دعم، مع احتمال إعادة تسعير أو نزاعات على “القوة القاهرة” عند كل تصعيد إقليمي أو توقف حقلي.

بالنتيجة، يمنح الاتفاق مصر إسعافاً سريعاً لأزمة الكهرباء، لكنه يحملها فواتير اعتماد طويلة الأجل ويعرض أمن الطاقة لمفاجآت السياسة والحرب وسعر الصرف، وفي حال لم يقترن بخطة جادة لتعافي الإنتاج المحلي وكفاءة الاستهلاك، فسيتحول الاتفاق إلى قيد استراتيجي وليس إلى شبكة أمان كما يتم الترويج له.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش