الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

بسبب سعر غير مناسب.. صفقة بيع “بنك القاهرة” تتعرقل والحكومة تزيد “التبعية” للخليج

الاقتصاد العربي | بقش

يُعد بيع البنوك أمراً غير سلبي نظرياً، لكون الاستثمارات الأجنبية تجلب سيولة وتكنولوجيا وخبرات أحياناً، إلا أنه في حالات الدول التي تمر بضائقة مالية كبيرة يصبح بيع البنوك المحلية مخاطرة إذا لم يُدر الملف بذكاء وبشروط تحمي السيادة الوطنية وتضمن بقاء الفوائد داخل الاقتصاد.

هذا يعيد توجيه الأنظار إلى البنوك المصرية التي تعمل حكومة مصر على بيعها. وعلى سبيل المثال، تسعى الحكومة منذ أوائل العام الجاري لبيع “بنك القاهرة” لصالح الإمارات، لكن خلافاً حول تسعير البنك بكامل أسهمه عرقل المفاوضات.

ويسعى “بنك الإمارات دبي الوطني” للاستحواذ على كامل أسهم “بنك القاهرة”، لكن حدث تباين في وجهات النظر، فقد عرض المشتري في بداية الأمر 1.2 مليار دولار، ثم رفع السعر إلى 1.5 مليار دولار، إلا أن الحكومة المصرية متمسكة بـ1.8 مليار دولار لكامل أسهم البنك، وفقاً للمعلومات التي اطلع عليها بقش لدى وكالة بلومبيرغ.

وقد سعت الحكومة المصرية على مدى السنوات الماضية إلى طرح “بنك القاهرة” في البورصة المصرية، إلا أن ذلك لم يتحقق رغم قيد أسهم البنك في سوق الأوراق المالية منذ 2017.

وفي حال عدم التوصل لاتفاق مع البنك الإماراتي بحلول نهاية شهر يونيو، فستتخذ الحكومة المصرية الخطوات اللازمة لطرح حصة من البنك في البورصة، ستقوم بتحديدها لاحقاً.

بيع المكانة أيضاً: بنك القاهرة محل جدل

صفقة بيع بنك القاهرة تثير الجدل منذ وقت سابق من هذا العام، فالتحركات لبيعه، وهو أحد أكبر البنوك في البلاد، لمستثمرين من الإمارات، أثار انتقادات واسعة للحكومة. ووفق اطلاع بقش، يُعتبر بنك القاهرة ثالث أكبر بنك حكومي مصري، ويملك شبكة من 248 فرعاً، و1640 جهاز صراف آلي منتشرة في أنحاء البلاد، ويخدم قاعدة عملاء ضخمة تضم أكثر من 3 ملايين عميل.

وحصلت حملة اعتراضات كبيرة بسبب بيع البنك بأقل من قيمته، وأوضح مسؤولون مصرفيون مصريون أن تقييم البنك قد يتأثر بسعر الصرف، خصوصاً إذا كانت لديه تعاملات دولية أو استثمارات في عملات أجنبية، ففي حال انخفاض سعر الصرف قد تتأثر القيمة الإجمالية للأصول المقومة بالعملات الأجنبية سلباً، وهو ما سيقلل من القيمة التقديرية للبنك، وفي المقابل إذا ارتفع سعر الصرف فقد تزداد قيمة الأصول المقومة بالعملات الأجنبية.

وسبق ورفع مجموعة من المحامين المصريين دعوى قضائية عاجلة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر، للمطالبة بإيقاف إجراءات بيع بنك القاهرة لمستثمرين من الإمارات، ووُجهت الدعوى ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي المصري حسن عبدالله، ما أشار إلى كون القضية كبيرة وتحمل في طياتها نتائج وخيمة اقتصادياً.

كما رأت الدعوى أن بيع بنك القاهرة للمستثمرين الإماراتيين له تداعيات محتملة على الأمن الاقتصادي القومي، ويؤثر أيضاً على استقلالية القطاع المصرفي. وطالب المحامون بإيقاف بيع بنك القاهرة بشكل عاجل، وإلغاء قرار البيع نهائياً، وإعادة البنك إلى ملكية الدولة المصرية، وكذلك الالتزام بمبادئ الشفافية في إجراءات بيع المؤسسات المالية الكبرى، مع ضمان تحقيق المصلحة الوطنية العليا.

وعدَّ المحامون بيعَ “بنك القاهرة” خبراً “مفجعاً” للمصريين، لما يمثّله البنك من مكانة رمزية كبيرة ودوره في تمويل المشاريع. فالبنك حسب اطلاع بقش على تفاصيل الدعوى نجح في إدارة عدد من الملفات الحيوية في السياسة النقدية المصرية، منها تطوير قطاع الرقابة والإشراف في البنك المركزي المصري، والإشراف على تطوير الشؤون المصرفية، وتجميع مخاطر الائتمان والمخاطر الكلية، كما قام البنك بإدخال وتطوير نظم الإنذار المبكر واختبارات الضغوط، لتكون جزءاً أساسياً من أدوات الرقابة الاحترازية للبنك المركزي المصري.

ماذا بعد البيع؟

بنك القاهرة ليس وحده الذي تريد الحكومة بيعه، فهناك مثلاً بنك الإسكندرية الذي تأسس سنة 1957 كشركة مساهمة مصرية، ويملك أكثر من 175 فرعاً في أنحاء مصر، ويعمل به أكثر من 4200 موظف، ويعود موضوع بيع بنك الإسكندرية إلى عام 2023، إذ تقدمت بنوك استثمار عالمية ومحلية بعروض لشراء حصة الحكومة من البنك، وتأتي مساعي البيع ضمن أهداف توسيع قاعدة مشاركة “القطاع الخاص”.

كما بدأت مصر في 2024 ببيع حصة من أسهم “المصرف المتحد المصري” عبر طرح حصة للاكتتاب العام في البورصة، وكان الطرح الأول منذ عام 2021 وفق متابعات بقش، مستهدفاً جمع 110 ملايين دولار. كما بدأ الطرح العام للأفراد من 27 نوفمبر حتى 03 ديسمبر 2024.

عملية بيع البنوك، وبالأخص بنك القاهرة للمستثمرين الإماراتيين، يسلط الضوء على فقدان جزء من السيادة الاقتصادية، فحين تنتقل ملكية البنوك، وهي مؤسسات مالية سيادية، إلى جهات أجنبية، يصبح جزء من القرارات المصرفية الكبرى “سواء الإقراض أو تمويل المشاريع أو ترتيب الأولويات” خاضعاً لمصالح المالك الجديد الإماراتي، وليس لمصالح الدولة المضيفة نفسها.

كما تتحول الأرباح إلى المستثمر الأجنبي في اخلارج، على صورة أرباح أسهم أو توزيعات، بدلاً من إعادة ضخها بالكامل داخل الاقتصاد المصري، ما يعني فقدان الاقتصاد رافداً مالياً مهماً في الوقت الذي يعاني فيه بالأساس من أزمة مالية ونقدية خانقة.

وقد تغيّر الإدارة الجديدة للبنك شروط الإقراض والتمويل بما يخدم استراتيجياتها أو مصالح بلدها الأم، وقد يصبح الحصول على قروض للمشروعات الصغيرة أو بعض القطاعات الاستراتيجية أصعب إذا لم ترَ الإدارة الجديدة فيها ربحية كافية.

والأهم من كل ذلك، أنّ بيع بنك القاهرة، وغيره من البنوك الاستراتيجية في مصر، يزيد من “التبعية”، فالاعتماد على “الاستثمارات الخليجية” كحل سريع للأزمات المالية قد يزيد من هشاشة الاقتصاد أمام أي تغيرات سياسية أو خلافات إقليمية مفاجئة، لذا فإن الدولة تظل بحاجة لمزيد من التنازلات لجذب أو إبقاء هذه الاستثمارات.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش