تقارير
أخر الأخبار

بين التهجير في غزة والاستيطان في الضفة الغربية.. فلسطين تنزلق نحو المجهول أمام العالم

تقارير | بقش

قلق دولي واسع يفرض نفسه أمام الواقع الكارثي الذي يصنعه الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، بين ممارسات الاستيطان والعنف في الضفة الغربية، ونوايا التهجير القسري في قطاع غزة. إذ دخلت المأساة الفلسطينية منطقة خطيرة بإعلان إسرائيل عن فتح “معبر رفح” باتجاه واحد فقط، في خرقٍ لاتفاق وقف إطلاق النار الذي نصّ -وفق خطة الرئيس الأمريكي ترامب- على فتح المعبر بالاتجاهين.

تقول الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، إن فتح المعبر باتجاه واحد فقط يعني شيئاً واحداً: استمرار مخطط التهجير عبر إخراج سكان غزة دون السماح لهم بالعودة. ويستند هذا الاستنتاج إلى تجارب الأشهر الماضية، حيث ظلّ المعبر أحد أبرز أدوات الضغط التي استخدمها الاحتلال لدفع المدنيين نحو الخروج القسري.

وكانت ثماني دول رفضت في بيان مشترك، يوم الجمعة، فتح معبر رفح باتجاه واحد لإخراج سكان غزة إلى مصر، داعيةً للالتزام بخطة ترامب وتثبيت وقف إطلاق النار بالقطاع وفق متابعة مرصد “بقش”، وهي مصر والأردن والسعودية وقطر وتركيا وباكستان وإندونيسيا والإمارات، مشيرةً إلى رفض تام لأي محاولات لتهجير الشعب من غزة.

وهذا الجدل حول المعبر جاء في وقت تحاول فيه قطر ومصر، ومعهما الولايات المتحدة، الدفع باتجاه المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وهي مرحلة يُفترض أن تغيّر بشكل جذري المشهد على الأرض.

المرحلة الثانية من الاتفاق

هذه المرحلة تنص -كما هو متداول- على انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من المواقع التي أعادت الانتشار فيها، وتولي سلطة انتقالية إدارة القطاع، وانتشار قوة استقرار دولية على الأرض، والفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر نشر القوة على طول الخط الأصفر، ورفع مستوى المساعدات الإنسانية وتحسين الحياة اليومية للسكان.

وتقول قطر إن وقف إطلاق النار لا يُعتبر كاملاً إلا بانسحاب إسرائيل وعودة الاستقرار إلى غزة، أما مصر فتدعو إلى الإسراع في نشر قوة الاستقرار الدولية بسبب الانتهاكات الإسرائيلية اليومية للهدنة.

وتبدو تركيا أيضاً لاعباً أساسياً في المرحلة المقبلة، إذ صرّح وزير خارجيتها هاكان فيدان أن تشكيل إدارة لغزة وقوة شرطة يجب أن يسبق أي حديث عن نزع سلاح حماس، وقال إن الخطوات يجب أن تتم بواقعية وإن نزع السلاح “لا يمكن أن يكون الخطوة الأولى”.

هذا يتقاطع مع تصريح رئيس حركة حماس في غزة “خليل الحية”، الذي قال إن الحركة مستعدة لتسليم سلاحها لسلطة فلسطينية أو دولة مستقبلية “إذا انتهى الاحتلال”، وأن السلاح مرتبط بوجود العدوان.

وبموجب الخطة الأمريكية المكونة من 20 بنداً، يُفترض أن تسلّم حماس أسلحتها، ويسمح لأفرادها الذين يلقون السلاح بالمغادرة، لكن الحركة رفضت ذلك مراراً قبل الحديث عن إنهاء الاحتلال. مع ذلك، أكد “الحية” قبول الحركة بقوات أممية لفصل القوات ومراقبة الحدود ووقف إطلاق النار.

استمرار مخطط التطهير العرقي

تترافق هذه التطورات مع مخاوف متزايدة بشأن مخطط التطهير العرقي في غزة. أكدتها المقررة الأممية الخاصة بفلسطين “فرانشيسكا ألبانيزي”، التي قالت حسب اطلاع بقش، إن إسرائيل تواصل مخطط التطهير العرقي بموافقة عدة دول، والوضع في غزة أنتج خللاً عميقاً في النظام الدولي يصعب إصلاحه، وطالبت الدول بحظر الأسلحة وقطع العلاقات مع إسرائيل، معتبرةً أن إسرائيل قد تحقق عبر وقف إطلاق النار ما لم تحققه بالإبادة.

هذه التصريحات تُبرز أن ما يجري في غزة بات محاولة إسرائيلية لإعادة هندسة المشهد السكاني والسياسي في القطاع، وهو ما يُعيد المتتبّع إلى قضية التهجير التي تبرز مرة أخرى كهاجس مركزي في المواقف الفلسطينية والعربية والدولية.

صحيفة “لوموند” الفرنسية قالت إن إعادة فتح معبر رفح باتجاه واحد أعادت إحياء المخاوف من التهجير القسري الذي تسعى إليه إسرائيل منذ بداية الحرب، وأشارت إلى أن القلق الشعبي يتزايد مع احتمال تشديد إسرائيل ضغوط إدخال المساعدات إلى قطاع غزة لدفع السكان إلى النزوح “وكأنهم يرحلون طوعاً”. وأضافت في تقرير طالعه بقش أن إسرائيل انتهكت بنوداً عدة في اتفاق وقف إطلاق النار عبر استمرار القصف وهدم المباني في مناطق انتشار قواتها، فضلاً عن عدم الالتزام بكميات المساعدات المتفق عليها.

ويجري الحديث عن مخطط التهجير القسري بينما لا تزال مأساة غزة تتفاقم بشكل أفدح من أي وقت مضى، فالعالم يشهد كارثة فلسطينية داخل القطاع المحاصَر الذي يُترَك بدون أي خدمات ودون مساعدات كافية ودون أي حلول جادة لإنهاء الوضع الإنساني الكارثي.

الضفة الغربية.. واقع مؤلم على حافة الانفجار

في الوقت الذي تُطرح فيه الخطط السياسية الخاصة بغزة، تتعرض الضفة الغربية لواحد من أكثر مواسم العنف الإسرائيلي كثافةً منذ سنوات، من عمليات اقتحام واعتقالات يومية.

وفي أحدث التطورات نفذ الاحتلال سلسلة اقتحامات واسعة في الضفة، شملت كثيراً من المناطق في الخليل ورام الله والقدس وجنين وطولكرم ونابلس. وخلال هذه الاقتحامات تم اعتقال العديد من الفلسطينيين وأُطلق الرصاص الحي والمعدني وقنابل الغاز والصوت، ونُفذت عمليات دهم وتفتيش لعشرات المنازل، وجرى التنكيل والضرب المبرح بعدد من الشبان، كما أُصيب رضيع يبلغ 20 يوماً بالاختناق جراء الغاز في نابلس.

وبالتوازي مع الاقتحامات العسكرية، يواصل المستوطنون اعتداءاتهم المنظمة على المزارعين الفلسطينيين، ففي مدينة “يطا” بمحافظة الخليل، حاول مستوطنون من بؤرة “شمعون” منع المزارعين من حراثة أراضيهم بحجة حماية خط مياه جديد، وأغلقت قوات الاحتلال المنطقة وصادرت مفاتيح الجرارات الزراعية.

وفي الزويدين ببادية يطا، هاجم المستوطنون المزارعين ومنعوهم من زراعة أرضهم تحت حماية كاملة من الجيش.

هذا التصعيد المتزامن بين الجيش والمستوطنين أصبح سمة يومية في الضفة، مع غياب أي رادع قانوني أو سياسي، وبتواطؤ كامل من الحكومة الإسرائيلية التي توفر حماية قانونية وسياسية لهؤلاء المستوطنين.

ضمن هذا السياق المتوتر، دعت دول، مثل إسبانيا وألمانيا، إلى وقف الاستيطان الممنهج. وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، قال إن عنف المستوطنين خرج عن السيطرة، وأكد أن اعتراف مدريد بالدولة الفلسطينية جاء “من أجل العدالة”. كما قالت ألمانيا إن الاستيطان يخالف القانون الدولي ويعرقل حل الدولتين، مجددة إدانتها للعنف الاستيطاني، ورفض الألمان أي خطوات لـ”ضم الضفة”، معتبرين ذلك “عقبة كبيرة أمام تنفيذ خطة السلام”.

وتشير بيانات تتبّعها بقش، لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إلى وجود 770 ألف مستوطن في الضفة حتى نهاية 2024 موزعين على 180 مستوطنة، و256 بؤرة استيطانية، منها 138 بؤرة رعوية وزراعية، وهي الأكثر استخداماً في السيطرة على الأراضي.

كارثة المشهد الفلسطيني

عند جمع المؤشرات في غزة والضفة، يَظهر أن الأراضي الفلسطينية تمرّ بمرحلة إعادة تشكيل قسرية على المستويين السياسي والديموغرافي (السكاني)، وسط جهود دولية عاجزة وخطط سياسية متضاربة.

ففي غزة، يدور خلاف حول إدارة القطاع ونزع سلاح المقاومة، ويستمر القصف الإسرائيلي والضغط لفتح معبر رفح باتجاه واحد بما يعزز سيناريو التهجير، بينما تكتفي الدول بإصدار التحذيرات.

وفي الضفة ثمة تصعيد إسرائيلي وعمليات اقتحام واعتقالات واسعة كجزء من سياسة إضعاف البنية المجتمعية الفلسطينية، إضافةً إلى تزايد هجمات المستوطنين واستهداف الأرض مباشرةً.

ويحدث كل ذلك دون وجود تحرك دولي جاد قادر على فرض وقف شامل لإطلاق النار، ومع غياب الضغط الدولي الفعّال، تستمر إسرائيل في تنفيذ سياساتها بصورة تجعل الوضع مرشحاً لمزيد من التدهور، وتهدد أي فرصة حقيقية للسلام أو للاستقرار في المستقبل المنظور.

زر الذهاب إلى الأعلى