الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

تحت وطأة الضغوط التجارية الأمريكية: دول آسيوية تتجه لشراء مليارات من الطاقة من واشنطن لتجنب الرسوم الجمركية

في مواجهة سياسات تجارية أمريكية صارمة ورسوم جمركية فرضتها إدارة الرئيس “دونالد ترامب”، تجد عدة دول آسيوية نفسها مضطرة لاستكشاف صفقات ضخمة لشراء النفط والغاز من الولايات المتحدة.

تأتي هذه التحركات، التي تشمل إندونيسيا وباكستان والهند، كاستراتيجية لخفض فوائضها التجارية الكبيرة مع واشنطن، على أمل تجنب أو تخفيف وطأة الرسوم العقابية التي هزت اقتصاداتها وأثارت قلق الأسواق العالمية.

وتعتبر هذه الدول، التي تحقق فوائض تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة، من كبار مستوردي الطاقة في العالم، مما يجعل شراء موارد الطاقة الأمريكية خياراً استراتيجياً لمعالجة الخلل التجاري الذي أصبح مصدر قلق رئيسي لواشنطن خلال فترة الإدارة السابقة.

ورقة الطاقة لموازنة الميزان التجاري وتفادي انتقام واشنطن

شكلت الفوائض التجارية الكبيرة التي تحققها العديد من الاقتصادات الآسيوية مع الولايات المتحدة نقطة خلاف رئيسية لإدارة ترامب، التي اعتبرتها ممارسات غير عادلة.

أدى ذلك إلى فرض رسوم استيراد واسعة، وإن تم تعليق بعضها جزئياً لاحقاً، مما خلق حالة من عدم اليقين الاقتصادي ودفع هذه الدول للبحث عن حلول سريعة لمعالجة الخلل في الميزان التجاري الذي أثار حفيظة واشنطن.

ونظراً لكون هذه الدول مستورداً رئيسياً للطاقة، برز شراء كميات كبيرة من النفط والغاز الأمريكي كأداة سياسية واقتصادية فعالة. فصفقات الطاقة الضخمة تساهم بشكل ملموس في تقليص الفائض التجاري بسرعة، مما قد يوفر حجة قوية في المفاوضات التجارية مع واشنطن لتخفيف أو إلغاء الرسوم المفروضة، التي لا تزال تداعياتها تؤثر على العلاقات التجارية.

وتوضح البيانات الحديثة التي اطلع عليها بقش، مثل حجم صادرات الإيثان والبروبان الأمريكي إلى الوجهات الرئيسية في عام 2024، والنمو المطرد في صادرات النفط الخام الأمريكية منذ عام 2019، الأهمية المتزايدة للولايات المتحدة كمصدر للطاقة عالمياً، وهو ما تستغله واشنطن في مفاوضاتها التجارية.

خطط ومقترحات آسيوية بمليارات الدولارات

وفي هذا السياق، تتخذ دول آسيوية خطوات ملموسة لزيادة وارداتها من الطاقة الأمريكية، وعلى رأسها إندونيسيا، التي أعلنت عن نيتها اقتراح زيادة وارداتها من النفط الخام وغاز البترول المسال (LPG) من الولايات المتحدة بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار. وأكد وزير الطاقة الإندونيسي “بهليل لاهداليا” أن هذا الاقتراح جزء أساسي من مفاوضات بلاده بشأن الرسوم الجمركية، مشيراً إلى أن وزارته أوصت بزيادة حصة استيراد غاز البترول المسال الأمريكي وشراء المزيد من الخام للمساعدة في تحقيق هذا الهدف الطموح.

إلى جانب إندونيسيا، تأتي باكستان، التي قامت وفي خطوة غير مسبوقة، بدراسة استيراد النفط الخام الأمريكي لأول مرة على الإطلاق. وبحسب مصدر حكومي ومسؤول تنفيذي في إحدى المصافي، يهدف هذا التوجه مباشرة لمعالجة الخلل التجاري الذي أدى لفرض رسوم أمريكية. تقدر قيمة المشتريات المحتملة بنحو مليار دولار، وهو ما يعادل تقريباً قيمة واردات باكستان الحالية من النفط والمنتجات المكررة.

الهند أيضاً تبحث عن سبل لتعزيز وارداتها من الطاقة الأمريكية، حيث تدرس مقترحاً لإلغاء ضريبة الاستيراد المفروضة على الغاز الطبيعي المسال (LNG) القادم من الولايات المتحدة.

ووفقاً لأربعة مصادر حكومية وصناعية، تهدف هذه الخطوة لتشجيع المشتريات والمساعدة في خفض الفائض التجاري الذي كان مصدر إزعاج لإدارة ترامب. كما تخطط نيودلهي لإنهاء الضرائب على واردات الإيثان وغاز البترول المسال الأمريكي.

وفي خطوة موازية، أعلنت شركة GAIL India Ltd، أكبر مستورد للغاز في البلاد، عن سعيها لشراء حصة تصل إلى 26% في مشروع أمريكي للغاز الطبيعي المسال، بالتزامن مع صفقة استيراد للغاز تمتد لـ 15 عاماً.

تداعيات استخدام الطاقة كأداة ضغط تجاري

تثير هذه الديناميكية تساؤلات حول التداعيات الجيوسياسية لاستخدام الطاقة كسلاح في المفاوضات التجارية. فبينما قد تحقق واشنطن مكاسب تجارية قصيرة الأجل وتعزز صادراتها من الطاقة، فإن إجبار الشركاء التجاريين على الشراء تحت التهديد قد يولد استياءً طويل الأمد ويقوض الثقة في الولايات المتحدة كمورد طاقة موثوق يعتمد على الأسس التجارية. وقد يدفع ذلك الدول الآسيوية إلى البحث عن تنويع مصادرها بشكل أكبر مستقبلاً لتجنب الوقوع تحت ضغوط مماثلة.

على الصعيد الاقتصادي، قد تواجه الدول الآسيوية تكاليف إضافية نتيجة لهذه الصفقات المدفوعة سياسياً. فقد تضطر لشراء النفط أو الغاز الأمريكي بأسعار أعلى من الموردين التقليديين الأقرب جغرافياً أو الذين يقدمون شروطاً أفضل.

كما أن التحول السريع نحو مورد واحد قد يعطل استراتيجيات أمن الطاقة الوطنية طويلة الأجل التي تعتمد على تنويع المصادر، وقد يؤثر سلباً على العلاقات القائمة مع موردين آخرين للطاقة.

طفرة الصادرات الأمريكية وسياق الضغوط

تتزامن هذه الضغوط التجارية مع الطفرة الكبيرة في إنتاج وصادرات النفط والغاز الصخري الأمريكي. فبعد عقود من كونها مستورداً صافياً للطاقة، أصبحت الولايات المتحدة لاعباً رئيسياً في أسواق التصدير العالمية.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية السابقة قد استغلت هذا الوضع لربط قوتها التصديرية الجديدة بأهداف سياستها التجارية، مستخدمةً الفوائض التجارية كذريعة لفتح أسواق جديدة لصادراتها المتنامية من الطاقة، حتى لو كان ذلك عبر ممارسة الضغوط، حسب اطلاع بقش على التحليلات.

ويبقى التساؤل حول مدى استدامة هذا النهج في المستقبل. هل ستواصل الإدارات الأمريكية المتعاقبة استخدام أدوات تجارية مماثلة لتعزيز صادرات الطاقة؟ وهل ستستمر الدول الآسيوية في هذه المشتريات إذا تلاشت الضغوط التجارية، أم ستعود لاتخاذ قراراتها بناءً على اعتبارات السوق والتكلفة والموثوقية البحتة؟ إن الحاجة الملحة لتنويع مصادر الطاقة وتأمين الإمدادات على المدى الطويل قد تدفع هذه الدول إلى إعادة تقييم اعتمادها على أي مورد منفرد، بغض النظر عن الظروف السياسية المؤقتة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش