الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

ترامب يقلب طاولة التجارة العالمية: 2025 عام الرسوم والضغط… والضبابية تمتد إلى ما بعده

الاقتصاد العالمي | بقش

مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025، دخلت التجارة العالمية مرحلة جديدة اتسمت بالارتباك الحاد وعدم اليقين. لم تكن هذه العودة سياسية فقط، بل حملت معها انقلاباً في أدوات إدارة الاقتصاد الخارجي للولايات المتحدة، أعاد الرسوم الجمركية إلى صدارة المشهد بوصفها وسيلة ضغط مركزية على الشركاء التجاريين.

خلال أشهر قليلة، ارتفعت التعريفات على الواردات الأمريكية إلى مستويات غير مسبوقة منذ الكساد الكبير، ما أحدث صدمة في الأسواق المالية العالمية، وفرض واقعاً جديداً على الشركات والمصدرين والحكومات. هذا التحول لم يكن تدريجياً أو تفاوضياً، بل جاء في صورة موجات متلاحقة من القرارات التي غيّرت قواعد اللعبة سريعاً.

اللافت أن هذه السياسات لم تقتصر آثارها على الولايات المتحدة وحدها، بل امتدت إلى سلاسل الإمداد العالمية، وأربكت خطط الاستثمار والتجارة طويلة الأجل، وأعادت إحياء مناخ حمائي ظنّ كثيرون أنه أصبح من الماضي. ومع كل جولة رسوم جديدة، كانت الأسواق تدخل في حالة ترقب، فيما تتزايد الضغوط على الاقتصادات المرتبطة بالسوق الأمريكية.

ومع اقتراب نهاية 2025، بات واضحاً أن ما جرى لم يكن عاصفة عابرة، بل بداية مرحلة قد تطول، إذ يُرجّح أن تستمر تداعيات السياسات التجارية لترامب، وردود الفعل العالمية عليها، في تشكيل المشهد الاقتصادي الدولي خلال 2026 وما بعدها.

2025: عام الرسوم وعودة الحمائية القاسية

شهد عام 2025 تصعيداً غير مسبوق في استخدام الرسوم الجمركية الأمريكية، إذ أدت تحركات إدارة ترامب إلى رفع متوسط معدل التعريفات على الواردات إلى نحو 17%، بعد أن كانت أقل من 3% فقط في نهاية 2024 وفق متابعات مرصد “بقش”. هذا الارتفاع الحاد مثّل قطيعة واضحة مع عقود من الانفتاح التجاري، وأعاد الاقتصاد العالمي إلى أجواء ثلاثينيات القرن الماضي.

لم تقتصر الرسوم على قطاعات محددة، بل شملت نطاقاً واسعاً من السلع والشركاء التجاريين، ما جعلها أداة شاملة لإعادة توجيه التجارة والاستثمار. وفي الوقت نفسه، تحولت هذه الرسوم إلى مصدر إيرادات ضخم، إذ باتت تدر نحو 30 مليار دولار شهرياً على الخزانة الأمريكية، وهو ما عزز تمسك الإدارة بهذا النهج.

لكن هذا المكسب المالي جاء على حساب استقرار الأسواق، حيث أدت القرارات المتلاحقة إلى تقلبات حادة في البورصات وأسعار العملات، ودَفعت الشركات متعددة الجنسيات إلى مراجعة مواقع الإنتاج وسلاسل التوريد، في ظل غياب رؤية واضحة لمسار السياسة التجارية الأمريكية.

سباق الاتفاقيات: شركاء تحت الضغط الأمريكي

أمام هذا الواقع، سارعت حكومات عديدة إلى التوجه نحو واشنطن سعياً إلى تخفيف وطأة الرسوم عبر اتفاقيات ثنائية أو إطارية. وخلال 2025، أُبرمت تفاهمات مع مجموعة من كبار الشركاء التجاريين، من بينهم الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام.

هذه الاتفاقيات لم تكن تقليدية في مضمونها، إذ ارتبطت في كثير من الحالات بتعهدات باستثمارات ضخمة داخل الولايات المتحدة، ما عكس استخدام الرسوم كأداة لجذب رؤوس الأموال، وليس فقط لحماية الإنتاج المحلي. ومع ذلك، بقيت معظم هذه التفاهمات في إطارها العام، دون الوصول إلى اتفاقيات نهائية شاملة.

الاستثناء الأبرز كان الصين، إذ فشلت جولات التفاوض المتعددة، بما في ذلك اللقاء المباشر بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، في كسر الجمود. وبقيت العلاقة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم عالقة في منطقة رمادية، تُدار فيها الخلافات دون تسوية حاسمة.

أوروبا والصين: التكيّف والمواجهة بطرق مختلفة

الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي أثار جدلاً واسعاً داخل القارة، خصوصاً بعد قبول بروكسل رسوماً جمركية بنسبة 15% على صادراتها إلى الولايات المتحدة وفق اطلاع بقش، إلى جانب تعهدات استثمارية وُصفت بأنها غير واضحة. هذا الاتفاق قوبل بانتقادات سياسية حادة، واعتُبر لدى بعض القادة الأوروبيين تنازلاً اضطرارياً تحت ضغط أمريكي مباشر.

مع ذلك، أظهرت الاقتصادات الأوروبية قدرة نسبية على التكيّف مع المعدلات الجديدة للرسوم، مستفيدة من إعفاءات محددة وإعادة توجيه الصادرات نحو أسواق بديلة. وتشير التقديرات إلى أن الأثر المباشر للرسوم على الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو ظل محدوداً مقارنة بالمخاوف الأولية.

في المقابل، بدت الصين أكثر صلابة في مواجهة الضغوط. فعلى الرغم من الرسوم الأمريكية، تجاوز فائضها التجاري تريليون دولار حسب البيانات التي طالعها بقش، مستندة إلى استراتيجية تنويع الشركاء التجاريين، والارتقاء بقطاعها الصناعي على سلسلة القيمة، إضافة إلى استخدام نفوذها في المعادن الأرضية النادرة كورقة ضغط استراتيجية في مواجهة الغرب.

عام 2025 شكّل نقطة تحوّل حقيقية في مسار التجارة العالمية، حيث أعادت سياسات ترامب الاعتبار للرسوم الجمركية بوصفها أداة مركزية في إدارة العلاقات الاقتصادية الدولية. هذا التحول أضعف قواعد التعددية التجارية، وفتح الباب أمام مرحلة تتراجع فيها القواعد لصالح ميزان القوة.

ورغم نجاح بعض الشركاء في التكيّف أو احتواء الخسائر، فإن حالة عدم اليقين بقيت السمة الغالبة، خصوصاً مع استمرار الخلافات مع الصين، وتحوّل الاتفاقيات إلى أدوات ضغط أكثر منها حلولاً مستقرة.

ومع دخول 2026، تبدو التجارة العالمية أمام مشهد ضبابي، يتسم بتقلب السياسات، وارتفاع المخاطر، وتراجع القدرة على التنبؤ. وفي عالم كهذا، لم تعد التجارة تحكمها القواعد وحدها، بل القرارات السياسية وموازين القوة، وهو ما يجعل آثار عام 2025 مرشحة للاستمرار لفترة أطول مما كان متوقعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى