خطوة لتهدئة النزاع البحري.. واشنطن تعلق رسوم الموانئ على السفن الصينية لمدة عام

الاقتصاد العالمي | بقش
في تطور جديد بمسار العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، أعلن البيت الأبيض تعليق رسوم الموانئ المفروضة على السفن المرتبطة بالصين لمدة عام كامل ابتداءً من 10 نوفمبر 2025، في خطوة تُعدّ جزءاً من الهدنة التجارية المؤقتة بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
القرار الذي سيصدر رسمياً الأسبوع المقبل، يأتي بعد لقاء القمة بين الرئيسين الأمريكي والصيني، الذي أسفر عن اتفاق لخفض التصعيد في عدة ملفات تجارية حساسة، من بينها أشباه الموصلات والمعادن النادرة وفول الصويا وفق متابعات مرصد “بقش”، وفي المقابل أعلنت بكين أنها ستجمّد إجراءاتها الانتقامية التي فرضتها رداً على الرسوم الأمريكية، ما يشير إلى رغبة متبادلة في استعادة قنوات الحوار الاقتصادي بعد أشهر من التوتر المتصاعد في الموانئ وسلاسل التوريد.
وشهدت العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين مرحلة غير مسبوقة من التصعيد البحري، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً خاصة على السفن التي تُشغّلها أو تملكها شركات صينية، متهمةً بكين بمحاولة احتكار قطاع الشحن العالمي والسيطرة على الممرات البحرية الحيوية عبر دعم واسع النطاق لبناء السفن وحوضها الصناعي البحري الضخم.
وبدورها ردّت بكين بإجراءات انتقامية شملت زيادة الرسوم على السفن الأميركية وتقييد وصول بعض البضائع الحيوية إلى الموانئ الصينية، ما أدى إلى اضطراب حركة النقل البحري وتزايد تكاليف الشحن بنسبة قاربت 25% خلال الربع الثاني من العام الجاري، وفق تقديرات وكالة بلومبيرغ.
تهدئة مؤقتة
القرار يُعتبر بمثابة نافذة تهدئة مؤقتة ضمن الحرب التجارية الأوسع بين البلدين، ويمثل محاولة من واشنطن لإعادة ضبط قواعد اللعبة في قطاع الشحن العالمي، دون أن تُظهر تراجعاً كاملاً أمام التفوق الصيني في صناعة السفن.
ويوحي التعليق الأمريكي بأنه يحمل في جوهره إشارة تهدئة مدروسة أكثر من كونه تنازلاً اقتصادياً، فهو يمنح إدارة ترامب فترة من المرونة لإعادة التفاوض على قواعد المنافسة في بناء وتشغيل السفن، مع الحفاظ على أوراق الضغط بانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات خلال العام المقبل.
ويجمّد القرار صراع الموانئ وأزمة أسعار فعلية، إذ كان استمرار الرسوم المتبادلة سيؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في تكاليف الشحن العالمي، خصوصاً للسلع الاستراتيجية مثل النفط والغاز والمنتجات الزراعية.
وفي المقابل تستفيد بكين من الهدنة لتثبيت مكانتها في السوق البحري دون أن تضطر لتقديم تنازلات جوهرية، إذ يتيح لها التعليق الأمريكي إعادة ترتيب استراتيجياتها في بناء السفن وتوسيع النفوذ في الموانئ الآسيوية والأفريقية.
عقدة الصراع التجاري البحري
القضية المركزية التي تقف خلف القرار هي ما يُعرف بـ”أزمة الموانئ”، وهي واحدة من أكثر ملفات الحرب التجارية حساسية. فواشنطن تتهم بكين منذ سنوات باستخدام دعم حكومي ضخم لبناء سفن تجارية وعسكرية بأسعار تقل كثيراً عن المنافسين، مما أدى إلى هيمنة الصين على أكثر من 45% من سوق بناء السفن العالمية حسب اطلاع بقش على التقارير.
إضافة إلى ذلك، تخشى الولايات المتحدة وحلفاؤها من استخدام الصين نفوذها المتزايد في الموانئ الدولية كورقة ضغط جيوسياسية، خصوصاً بعد توسع الشركات الصينية في إدارة وتشغيل موانئ رئيسية في آسيا وإفريقيا وأوروبا، من بينها ميناء “بيريوس” في اليونان وجيبوتي في القرن الإفريقي.
الرسوم التي فرضتها واشنطن في وقت سابق من هذا العام كانت رداً مباشراً على ما وصفته بـ”الهيمنة غير العادلة” في قطاع الموانئ، بينما اعتبرتها بكين “خطوة عدائية تهدف إلى تقويض حقها في التجارة الحرة”.
البعد الآسيوي: تحالف بناء السفن مع كوريا واليابان
وضمن سياق القرار، أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تخطط لتعزيز التعاون في مجال بناء السفن مع كوريا الجنوبية واليابان، في خطوة تُقرأ على نطاق واسع بأنها محاولة لتشكيل تحالف بحري آسيوي مضاد للتفوق الصيني.
وتُعد كوريا الجنوبية واليابان من منافسي الصين في صناعة السفن المتقدمة، وخاصة السفن العملاقة وناقلات الغاز المسال. وتشير مصادر بلومبيرغ إلى أن واشنطن تسعى من خلال هذا التعاون إلى تنويع سلاسل الإمداد البحرية وتخفيف اعتمادها على الموانئ الصينية.
ويمكن القول إن الولايات المتحدة والصين دخلتا مرحلة جديدة من الحرب التجارية، ليست قائمة على المواجهة المباشرة كما في السنوات السابقة، بل على إعادة التموضع والتأثير المتبادل.
ولا يعني تعليق الرسوم لمدة عام نهاية الصراع بالضرورة، بل هو وقف مؤقت لإطلاق النار الاقتصادي، يراد منه تهدئة الأسواق وإعطاء الوقت للدبلوماسية التجارية لتعيد رسم قواعد المنافسة، وفي الوقت نفسه لا تخفي واشنطن نيتها في بناء منظومة شحن عالمية موازية عبر تحالفات جديدة في آسيا، ما يعني أن النزاع البحري مرشح للتحول من مواجهة ثنائية إلى سباق نفوذ متعدد الأطراف.
ويؤشر هذا القرار إلى أن الولايات المتحدة لا تريد خسارة معركتها في البحار المفتوحة، لكنها في الوقت ذاته تدرك أن المواجهة المباشرة مع الصين في قطاع الشحن قد تضر بالاقتصاد العالمي، أما الصين فتراهن على أن الوقت في صالحها، وأن تعزيز بنيتها البحرية والتكنولوجية سيجعلها في موقع أقوى عند استئناف المفاوضات بعد عام.


