دفاعات أمريكية باهظة تستنزفها صواريخ يمنية رخيصة الثمن.. تفاوت هائل يعرض واشنطن للفشل

تقارير | بقش
تشير الدلائل والمقابلات المعمقة إلى أن أسلحة الحوثيين منخفضة التكلفة تجبر الولايات المتحدة وحلفاءها على الرد العسكري المُكلف، وذلك يستنزف الموارد ويزعزع استقرار التجارة العالمية.
الهجوم اليوم الأحد على تل أبيب بالقرب من مطار “بن غوريون” الاستراتيجي والذي أوقف الرحلات الجوية باعتبار المطار يُعد بوابة إسرائيل على العالم، تم تناوله -الهجوم- بأنه نجح في اختراق الدفاعات الإسرائيلية الباهظة التي كلَّف كل منها ملايين الدولارات، بينما الصاروخ اليمني يُعد رخيص الثمن نسبياً ولا يتعدى بضعة آلاف من الدولارات. وهذا يوصف بأنه “عدم تناسق في التكلفة” يستنزف الخزائن الغربية فقط دون جدوى.
وهذا الخلل يحدد الآن الأزمة في “البحر الأحمر”، إذ تستنزف الهجمات اليمنية ميزانيات الدفاع الغربية وتعطل شرايين التجارة العالمية، ويزداد الاستياء من أنّ صاروخاً بقيمة تعادل -مثلاً- 20 ألف دولار، يتمكن من إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار من طراز “ريبر” بقيمة تتجاوز 30 مليون دولار، وهو ما يمنح الحرب شكلاً جديداً مثيراً للقلق للغاية، وفقاً لاطلاع بقش على تقرير لموقع “ذا ميديا لاين”.
تفاوت اقتصادي بين الهجوم والدفاع
يؤكد الموقع أن هذا التفاوت الاقتصادي بين العمل الهجومي والدفاعي في هذا الصراع “مذهل”، فبينما يطلق الحوثيون صواريخ ومقذوفات رخيصة نسبياً، فإن اعتراضها يتطلب ملايين الدولارات في أنظمة غربية متطورة.
وهي “حرب غير متكافئة” حسب التصميم، إذ “لستَ بحاجة إلا لجعل خصمك ينزف المال” وفقاً لـ”جاناتان سايه” محلل الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. ويقول سايه إن الحوثيين يقومون بتجميع معظم أسلحتهم داخل اليمن، وهذا النظام المعياري يجعل الاعتراض أكثر صعوبة.
وحتى لو تم اعتراض أي واردات من قطع الغيار الصاروخية التي قد تذهب إلى اليمن، فإنه بمجرد وجود المعرفة والأدوات داخل اليمن، يمكن لهذا النظام التصنيعي الصاروخي أن يتجدد.
وفي المقابل، يكلف كل صاروخ باتريوت أو صاروخ اعتراضي بحري الملايين، بينما كل طائرة بدون طيار قد تكلف بضعة آلاف حسب قراءة بقش.
وإضافة إلى تكلفة الاعتراض، يؤدي الحفاظ على وجود عسكري ثابت في المنطقة إلى زيادة التوتر، إذ يُعد وجود حاملات الطائرات ودوريات الطائرات بدون طيار وحملات الضربات الجوية في اليمن من المهام المكلفة جداً، وبهذا الاستنزاف قد يستمر الصراع لسنوات وفقاً للموقع، لكن جانباً واحداً فقط هو الذي سينفق أموالاً طائلة، وهو “أمريكا وحلفاؤها”.
تداعيات اقتصادية أوسع
هيمنت التكاليف العسكرية الباهظة لاعتراض صواريخ الحوثيين الفعالة ورخيصة الثمن، على عناوين الصحف الغربية، وخلال ذلك لا يزال الاضطراب الاقتصادي الناجم عن الأزمة شديداً بنفس القدر، وفي تزايد.
نعوم ريدان، زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يعبّر عن المخاوف من انخفاض العبور التجاري عبر باب المندب والبحر الأحمر بأكثر من 50% منذ بدء الأزمة في أواخر 2023. يقول ريدان: “هذا خطير، فالكثير من السفن التجارية غير قادرة ببساطة على الإبحار عبر البحر الأحمر، وقد اضطرت إلى تغيير مسارها حول جنوب أفريقيا، وهو ما يضيف أسابيع من السفر ويزيد من تكاليف النقل بشكل كبير”.
ورغم أن صناعة الشحن تكيفت في بعض النواحي في الأزمة، من خلال تغيير المسارات وتعديل الخدمات، إلا أن العديد من السفن المرتبطة بأمريكا وإسرائيل لا تزال تتجنب المنطقة البحرية الاستراتيجية تماماً، إلى حد الانعدام الكامل لأي سفن تحت العلم الإسرائيلي.
ولم يرفع هذا التوتر أسعارَ الشحن العالمية فحسب، بل خلق أيضاً فرصاً لبعض شركات الشحن للاستفادة من عدم الاستقرار، في استغلال واضح من هذه الشركات للأزمة. حيث استفاد لاعبون كبار، مثل شركة “ميرسك” الدنماركية، وشركة “CMA CGM” الفرنسية من زيادة رسوم الشحن. وبالنتيجة يتأثر المستهلكون حتى لو لم يدركوا ذلك، إذ يتم احتساب تكاليف النقل في كل شيء، سواء كان الوقود أو السلع المستوردة، ويبدو التأثير واضحاً بشكل خاص في “شحنات النفط” بشكل يرفع سعر البرميل مباشرةً بحلول الوقت الذي يصل فيه إلى المصافي الأوروبية.
ولم يتحقق التضخم الكبير المتوقع في السلع الاستهلاكية بالكامل، بفضل تكيف الصناعة، لكن رغم ذلك يحذّر المختصون حسب اطلاع بقش على تحليل الموقع من أن المخاطر لا تزال متقلبة ولم يتم حلها، إذ لا تزال قوات صنعاء تتعقب السفن، وحتى لو لم تهاجم كل هدف، فقد قسمت بالفعل حملتها البحرية إلى مراحل متعددة، ولا أحد يعلم بما يمكن أن يفعلوه بعد ذلك.