
صعّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربه التجارية بفرض رسوم جديدة شاملة على جميع السيارات وقطع غيار السيارات المستوردة إلى أمريكا، بنسبة 25%، وتطبيقها اعتباراً من 02 أبريل المقبل، على أن تكون “رسوماً دائمة”، وهو ما أدّى إلى حالة “استنفار” دولية، وبالتحديد في أوروبا.
تطبيق الرسوم هذه لزمن طويل قد يرفع تكاليف شراء سيارة أمريكية من الفئة المتوسطة بآلاف الدولارات ويعرقل إنتاج المركبات في أمريكا الشمالية بالكامل، وذلك بسبب ترابط عمليات الإنتاج بين شركات صناعة السيارات في كندا و المكسيك والولايات المتحدة على مدى الـ30 عاماً الماضية.
ووفق بيانات اطلع عليها بقش من شركة الأبحاث “غلوبال داتا”، فإن نحو نصف السيارات التي تم بيعها في أمريكا خلال العام 2024 كانت مستوردة، وهو ما يضيف مشكلات إلى واقع الأسواق في الولايات المتحدة نتيجة لفرض الرسوم الجديدة على استيراد السيارات وقطع غيارها.
وتُعتبر هذه الرسوم بمثابة “هجوم مباشر” على اتفاقية التجارة الحرة في القارة، والتي أعاد ترامب التفاوض بشأنها خلال ولايته الأولى، وأسفرت عن قيام سلسلة إمداد متكاملة تربط بين مختلف أنحاء أمريكا الشمالية، وقد وصف رئيس الوزراء الكندي “مارك كارني” هذه الرسوم بأنها “هجوم مباشر”.
وتتوقع شركة “كوكس أوتوموتيف” المتخصصة في خدمات السيارات، أن تضيف هذه الرسوم 3 آلاف دولار إلى تكلفة السيارات المصنوعة في أمريكا، و6 آلاف دولار إلى تكلفة السيارات في كندا أو المكسيك، مشيرةً إلى أن الرسوم ستُحدث خللاً كبيراً في إنتاج السيارات في أمريكا الشمالية “بالكامل تقريباً” بحلول منتصف أبريل المقبل، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج بمقدار 20 ألف سيارة يومياً، أو بما يعادل 30%.
الرابحون والخاسرون: “تسلا” محمية بـ”أمريكيتها”
اهتزت صناعة السيارات العالمية بشكل بالغ بعد إعلان ترامب عن قراره. وتهاوت أسهم شركة السيارات مثل شركة جنرال موتورز، وهي عملاق السيارات الأمريكية، بنسبة 8%، وأسهم “فورد” و”ستلانتس” في السوق الأمريكية بنحو 4.5% لكل منهما حسب اطلاع بقش، وذهاباً إلى اليابان -التي تبدو الأكثر تضرراً هي و كوريا الجنوبية- تراجعت أسهم شركات “تويوتا” و”هوندا” بما يتراوح من 3 إلى 4%.
تراجع أيضاً سهم شركة “تسلا” للسيارات الكهربائية المملوكة لـ”إيلون ماسك” المقرَّب من ترامب، بنسبة 1.3%، ورغم أن الشركة تصنع جميع سياراتها التي تباع في الولايات المتحدة محلياً، إلا أنها تستورد بعض قطع الغيار من الخارج، وقد ذكر ترامب أن الرسوم الجمركية قد تؤثر سلباً على “تسلا” أو ربما تفيدها، لكن ماسك نشر على “إكس” أن الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير على “تسلا”، حيث ستتأثر أسعارُ قطع غيار سيارات تسلا المستوردة من دول أخرى، “والتأثير على التكلفة ليس بسيطاً” وفقاً لـ”ماسك”.
لكن رغم أن شركة تسلا ستواجه بعض التحديات في ما يخص قطع الغيارات، إلا أنها ستكون الرابح الوحيد في العالم من قرار الرسوم الجمركية الجديدة.
فـ”تسلا” تمتلك مصانع ضخمة في ولايتي كاليفورنيا و تكساس تنتج كافة السيارات التي تبيعها داخل أمريكا وفق متابعات بقش، وهو ما يجعلها محصنة بدرجة أكبر من الرسوم الجمركية الجديدة، لكنّ الشركات المنافسة، بدءاً بـ”هيونداي” الكورية و”فولكس فاجن” الألمانية، ووصولاً إلى “جنرال موتورز” الأمريكية، فستواجه كلها ارتفاعاً حاداً في التكاليف.
ويؤكد “غاريت نيلسون”، وهو محلل بشركة “سي إف آر إيه ريسيرتش” أن “تسلا” تُعتبر “الأقل تعرضاً” للرسوم الجديدة، بسبب عمليات التصنيع المحلية داخل أمريكا، وحسب اطلاع بقش فقد تفاخرت “تسلا” نفسها هذا الأسبوع بـ”جذورها الأمريكية”، وقالت على “إكس” إن طرازاتها “هي السيارات الأكثر تصنيعاً داخل أمريكا”.
وقد تكون شركة “فورد” لصناعة السيارات الأمريكية (ومقرها الرئيسي ولاية ميشيغان)، أقل تضرراً من بعض المنافسين، حيث إن نحو 80% من السيارات التي تبيعها في السوق الأمريكية يتم تصنيعها محلياً.
وفي المقابل، فإن الشركات الأكثر تعرضاً للضغوط هي العلامات التجارية الأجنبية التي تعتمد بشكل كبير على السيارات المستوردة، بما في ذلك شركة “هيونداي” الكورية التي تواجه مخاطر كبيرة، رغم أنها والشركة التابعة “كيا” تمتلكان مصانع في ولايتي ألاباما و جورجيا، وأعلنتا هذا الأسبوع عن خطة توسعية في أمريكا بقيمة 21 مليار دولار وفق مراجعات بقش.
ومنذ بداية رئاسة ترامب تسود حالة من الضبابية لدى الشركات، بما فيها شركات السيارات، ويريد ترامب من قراره أن تضطر شركات السيارات إلى زيادة استثماراتها في أمريكا بدلاً من كندا أو المكسيك.
ووفقاً لمجموعة “أوتو درايف أمريكا”، التي تمثل كبرى شركات صناعة السيارات الأجنبية مثل هوندا وهيونداي وتويوتا وفولكس فاغن، فإن الرسوم الجمركية الجديدة ستزيد من تكلفة إنتاج وبيع السيارات في أمريكا نفسها، وهو ما سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار، وتقليص الخيارات المتاحة للمستهلكين، وتراجع وظائف قطاع الصناعات التحويلية الأمريكي.
أوروبا تدرس الرد الانتقامي
يدرس البرلمان الأوروبي فرض رسوم جمركية على “شركات التكنولوجيا الأمريكية”، مثل “غوغل” و”أمازون” و”نتفليكس”، رداً على إعلان ترامب عن فرض رسومه الجمركية على السيارات. وقد دانت رئيسة المفوضية الأوروبية (الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي) هذه الرسوم ووصفتها بأنها “سيئة للأعمال التجارية وأسوأ للمستهلكين في أمريكا وأوروبا معاً”.
وطالب رئيس لجنة التجارة في البرلمان الأوروبي “بيرند لانج” في بيان اطلع عليه بقش اليوم الخميس، بأن يتم طرح قضية فرض رسوم جمركية على الخدمات الرقمية، حيث تحظى الولايات المتحدة بفائدة سوقية كبيرة في الاتحاد الأوروبي.
وتابع: “في حال هاجمت أمريكا مصالحنا الاقتصادية الأساسية بشكل غير قانوني، فإنه يجب على الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات مضادة لها أهداف محددة حتى لو أثرت على المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة”، مشيراً إلى أن هناك أعداداً هائلة من مستخدمي الخدمات الأمريكية داخل الاتحاد الأوروبي.
من جهتها انتقدت وزارة الاقتصاد الألمانية، ورابطة صناعة السيارات في ألمانيا، الرسوم الجمركية الأمريكية على السيارات، وقالتا إنها تضر بالاقتصادات الأوروبية والأمريكية معاً، مطالبتَين بإجراء مفاوضات عاجلة لـ”درء حرب تجارية متصاعدة”.
وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، دعا الاتحاد الأوروبي إلى “الرد بحزم” على هذه الرسوم الجمركية، وأكد: “يجب أن يكون واضحاً أننا لن نتراجع في مواجهة أمريكا”.
أما رابطة صناعة السيارات في ألمانيا فقد وصفت الرسوم الجديدة بأنها “إشارة قاتلة” للتجارة الحرة القائمة على القواعد، وحذّرت من أنها ستُلحق أضراراً بالشركات وكذلك بسلاسل التوريد العالمية.
وبالنسبة للاقتصاد الألماني، باعتباره أكبر اقتصاد في أوروبا، يُتوقع تراجُع الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.18% في العام الأول بعد تطبيق هذه الرسوم الجمركية على السيارات بناءً على القيمة الحقيقية، مقارنة مع انخفاض 1.81% في المكسيك و0.6% في كندا، حسب معهد إيفو الاقتصادي الألماني (ومقره ميونخ)، وبشكل عام تبدو الخسائر المرتبطة بالتصدير محدودة، حيث تُتنَج السيارات غالباً بالقرب من سوق المبيعات.
كما قالت فرنسا إن الرسوم على السيارات “أنباء سيئة للغاية”، ورأت أن الحل الوحيد حالياً “هو أن يرفع الاتحاد الأوروبي الرسوم الجمركية”.
ردود دولية أخرى: الصين تتهكم
من جهتها علقّت الصين، اليوم الخميس، بأن الرسوم الأمريكية على السيارات تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية ولن تساعد واشنطن في حل مشاكلها الخاصة، وبلهجة تهكمية أشارت إلى أنه لا يمكن لأي دولة “تحقيق الرخاء من خلال فرض رسوم جمركية إضافية”.
وتشعر كوريا الجنوبية بقلق من أن يواجه قطاع السيارات الكوري صعوبات كبيرة بعد دخول الرسوم الأمريكية حيز التنفيذ، وفقاً لوزير الصناعة الكوري.
أما بريطانيا فقالت إنها لا ترغب في تصعيد الحرب التجارية مع أمريكا وتعمل بشكل مكثف مع واشنطن للحصول على إعفاء من الرسوم الجمركية.