
في خطوة تعكس الضغوط المالية المتزايدة، أقرت الحكومة المصرية زيادة جديدة في أسعار معظم المواد البترولية، لتكون هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها تحريك الأسعار خلال ستة أشهر فقط.
تهدف هذه الزيادة، التي يُتوقَّع أن توفر لخزينة الدولة نحو 35 مليار جنيه في موازنة العام المالي المقبل (2025-2026)، إلى تقليص فاتورة الدعم المتضخمة والاقتراب من التكلفة الفعلية للمحروقات.
ووفق اطلاع بقش على الأسعار، شملت الزيادة كافة أنواع البنزين والسولار بواقع جنيهين لكل لتر، ما يعني أن سعر لتر بنزين 95 قفز من 17 إلى 19 جنيهاً، وارتفع سعر لتر بنزين 92 من 15.25 إلى 17.25 جنيه، وصعد سعر لتر بنزين 80 من 13.75 إلى 15.75 جنيه.
كما طالت الزيادة سعر لتر السولار (الديزل) ليصبح 15.5 جنيه بدلاً من 13.5 جنيه. ولم تقتصر الزيادات على وقود السيارات، بل امتدت لتشمل أسطوانة غاز الطبخ المنزلي (12.5 كغم) التي ارتفع سعرها من 150 إلى 200 جنيه، والأسطوانة التجارية من 300 إلى 400 جنيه، بالإضافة إلى زيادة سعر طن المازوت وطن الغاز الصب.
سد الفجوة وتخفيف العبء المالي.. لماذا الآن؟
تأتي هذه الخطوة في سياق جهود الحكومة لسد الفجوة المتزايدة بين تكلفة توفير الوقود وسعر بيعه للمستهلك، فبحسب مسؤول حكومي تحدَّث لـ”بلومبيرغ”، بلغت التكلفة الفعلية للتر البنزين والسولار على الدولة حوالي 20 جنيهاً خلال الربع الثاني من العام المالي الحالي (2024-2025)، ما يعني أن البيع بالأسعار القديمة كان يمثل عبئاً مالياً كبيراً.
وأشار المسؤول إلى أنه لولا هذه الزيادة، لكان دعم المواد البترولية مرشحاً لتجاوز 170 مليار جنيه بنهاية العام المالي الحالي، متخطياً الرقم المستهدف في الموازنة (154 مليار جنيه). وتستهدف الحكومة خفض هذا الدعم إلى 75 مليار جنيه في موازنة العام المالي القادم 2025-2026.
ورغم هذه الزيادة، أكدت الحكومة، عبر مصادرها، أنها لن تتخلى بشكل كامل عن دعم السولار، نظراً لأهميته الحيوية لقطاعات واسعة مثل النقل والصناعة والزراعة، حتى بعد انتهاء الجدول الزمني المبدئي لرفع الدعم عن باقي المحروقات المتوقع بنهاية عام 2025 وفق متابعات بقش.
ويُعدُّ السولار المستهلك الأكبر للدعم، حيث يستحوذ على أكثر من 70% من إجمالي دعم المنتجات البترولية، وبلغت تكلفة دعمه اليومية أكثر من 300 مليون جنيه خلال النصف الأول من العام المالي الحالي.
تداعيات متعددة: من المخابز إلى السكك الحديدية
لم تقتصر تداعيات القرار على أسعار المحطات، بل امتدت لتلقي بظلالها على قطاعات أخرى. فقد أعلن المتحدث باسم “شعبة المخابز” عن ارتفاع أسعار الخبز السياحي (غير المدعم) بنسبة 10% كنتيجة مباشرة لزيادة سعر أسطوانة غاز الطبخ التجارية، مشيراً إلى أن بعض المخابز قد تلجأ كبديل إلى تخفيض وزن الرغيف لتجنب رفع السعر.
في المقابل، أكد وزير التموين ثبات سعر رغيف الخبز البلدي المدعم عند 20 قرشاً للمستفيدين من البطاقات التموينية.
وفي قطاع النقل، لا يزال قرار زيادة أسعار تذاكر قطارات السكك الحديدية قيد الدراسة، رغم أن الهيئة ستتحمل تكاليف تشغيل إضافية تقدر بما بين مليار و1.2 مليار جنيه سنوياً نتيجة ارتفاع سعر السولار، الذي يعد الوقود الأساسي لتشغيل القطارات.
وتعتمد قرارات لجنة تسعير الوقود في مصر على معادلة تأخذ في الحسبان متوسط أسعار خام برنت العالمية، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه، وتكاليف التشغيل الأخرى.
التأثير التضخمي والعبء المعيشي
من شبه المؤكد أن تؤدي هذه الزيادة الشاملة في أسعار الطاقة إلى موجة تضخمية جديدة، تضاف إلى الضغوط القائمة التي دفعت معدل التضخم السنوي في المدن للارتفاع مجدداً في مارس الماضي إلى 13.6%.
الزيادة في أسعار السولار تحديداً لها تأثير مضاعف، لأنها ترفع تكاليف نقل البضائع والمنتجات الزراعية، مما ينعكس على أسعار غالبية السلع والخدمات.
وتواجه الشركات المصرية، لا سيما الصناعية واللوجستية، تحدياً جديداً يتمثل في ارتفاع تكاليف الطاقة. فهذه الزيادة في مدخلات الإنتاج قد تضطر الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها للحفاظ على هوامش الربح حسب قراءة بقش، مما قد يضعف قدرتها التنافسية في الأسواق المحلية والدولية.
في المحصلة، تجد مصر نفسها أمام معادلة معقدة تتطلب إدارة دقيقة للسياسات المالية والنقدية، مع السعي للتخفيف من الآثار السلبية على المواطنين والقطاعات الاقتصادية المختلفة، في ظل بيئة عالمية ومحلية مليئة بالتحديات.