شركة بريطانية: العمليات القادمة من اليمن تغيّر معادلات الاقتصاد في شرق المتوسط وتفاقم أسعار شحن البضائع إلى موانئ حيفا

أخبار الشحن | بقش
منذ يوليو 2025، فرضت قوات صنعاء واقعاً جديداً في البحر الأحمر تمثل في حظر بحري فعلي على الملاحة الإسرائيلية وكل السفن المرتبطة بها، وجاء التصعيد على خلفية استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة والدعم الغربي لإسرائيل، ليحوّل البحر الأحمر من ممر تجاري عالمي إلى بؤرة ضغط اقتصادي واستراتيجي.
وبحسب تقرير لشركة Maplecroft البريطانية لاستخبارات المخاطر، فإن هذه العمليات تمثل تحولاً نوعياً في مسار الحرب، إذ أصبحت خطوط الملاحة جزءاً من أدوات الضغط الاقتصادي المباشر على إسرائيل.
أبرز الضربات جاءت لإسرائيل، حيث توقف ميناء إيلات – منفذها الوحيد على البحر الأحمر – عن العمل كلياً في 20 يوليو 2024. ويُقدّر أن إيلات كان يساهم بحوالي 7% فقط من إجمالي حركة الموانئ الإسرائيلية قبل الأزمة، لكن فقدانه يُعد رمزياً واستراتيجياً، لأنه كان يشكل الرابط التجاري الأقرب مع آسيا وأفريقيا.
في عام 2023، استقبل ميناء إيلات ما يقارب 2.5 مليون طن من البضائع، معظمها من واردات السيارات والسلع الاستهلاكية. ومع فرض الحظر، باتت هذه الواردات تُنقل عبر موانئ البحر المتوسط مثل أشدود وحيفا، وهو ما أضاف ما بين سبعة إلى عشرة أيام على زمن الشحن، ورفع الكلفة التشغيلية بما يصل إلى 30%.
قطاع السيارات كان الأكثر تأثراً داخل إسرائيل، حيث تشير تقديرات اتحاد المستوردين إلى انخفاض حجم الواردات بنسبة 40% منذ يوليو، مع توقع ارتفاع أسعار السيارات الجديدة بين 15 و20% خلال الأشهر المقبلة.
قناة السويس: الخاسر الأكبر
إذا كان بإمكان إسرائيل تحويل مساراتها التجارية، فإن مصر تعاني مباشرة من الحظر البحري. قناة السويس، التي تمثل شرياناً أساسياً للتجارة العالمية، شهدت انهياراً في إيراداتها تجاوز 50% في عام 2024 نتيجة اضطرار السفن إلى الالتفاف عبر رأس الرجاء الصالح.
بلغت إيرادات قناة السويس في عام 2022 نحو 7.9 مليار دولار، وانخفضت في 2023 إلى حوالي 5.9 مليار دولار، ثم تراجعت بشكل أكبر في 2024 لتصل إلى ما يقارب 3.5 مليار دولار فقط، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
هذا التراجع يعني أن مصر فقدت أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً من العملات الصعبة، وهو ما يفاقم أزمتها المالية ويدفعها لمزيد من الاقتراض الخارجي، وبالنظر إلى أن القناة تمثل حوالي 10% من إجمالي موارد النقد الأجنبي المصرية، فإن استمرار الحظر البحري حتى نهاية 2025 يهدد بمزيد من الانهيار في ميزان المدفوعات المصري.
أسواق الشحن العالمية: ارتفاع التكاليف وتراجع الكفاءة
على المستوى الدولي، ارتفعت تكاليف التأمين البحري على السفن العابرة للبحر الأحمر بنسبة تراوحت بين 200% و300% منذ بداية الأزمة في نوفمبر 2023. ورغم أن أسعار الشحن العالمية تراجعت نسبياً منذ ذروة 2024 بعد انحسار التضخم العالمي، فإن الحظر الذي تفرضه قوات صنعاء أعاد الضغط على الشركات العاملة في آسيا وأوروبا.
وتشير تقديرات Maplecroft إلى أن تكلفة الشحن إلى موانئ إسرائيل ارتفعت بأكثر من 70% مقارنة بالمسارات التقليدية عبر قناة السويس، وهو ما يعكس حجم التأثير الاقتصادي المتصاعد للحملة.
تكلفة نقل حاوية قياسية حجمها 40 قدماً من شنغهاي إلى ميناء حيفا ارتفعت من 1,900 دولار في يونيو إلى أكثر من 3,200 دولار في أغسطس 2025. كما أن الرحلات الملتفة عبر رأس الرجاء الصالح تزيد المسافة بحوالي ستة آلاف كيلومتر، وهو ما يضيف ما بين خمسة عشر إلى ثمانية عشر يوماً على زمن النقل.
أما شركات الطاقة الأوروبية من جهتها أبلغت عن ارتفاع فاتورة النقل بنسبة 25% منذ بداية العام، وهو ما ينعكس على أسعار المستهلكين في المنطقة.
الاقتصاد الإسرائيلي تحت الضغط
رغم محاولات إسرائيل امتصاص الصدمة عبر موانئ المتوسط، إلا أن الاقتصاد يتعرض لخسائر متزايدة. الصادرات الزراعية، التي كانت تعتمد على البحر الأحمر كخط رئيسي للتصدير نحو آسيا، انخفضت بنسبة 35% منذ بداية يوليو. شركات الطيران الإسرائيلية أيضاً اضطرت لإلغاء أو إعادة جدولة عشرات الرحلات نتيجة الهجمات بالطائرات المسيّرة القادمة من اليمن، وهو ما رفع كلفة النقل الجوي.
وبحسب تقديرات معهد السياسات الاقتصادية الإسرائيلي، فإن استمرار هذه الأزمة حتى نهاية العام قد يؤدي إلى خفض النمو الاقتصادي بمقدار 1.2 نقطة مئوية، أي بخسارة تقارب عشرة مليارات دولار من الناتج المحلي الإجمالي.
تؤكد قوات صنعاء أن الحظر البحري ليس منفصلاً عن حرب غزة، بل هو جزء من معركة ردع إقليمية تهدف إلى الضغط على إسرائيل وحلفائها الغربيين لوقف العدوان. هذا الربط منح الحملة بعداً سياسياً واقتصادياً مضاعفاً، إذ إنها من ناحية تكبد إسرائيل خسائر مباشرة، ومن ناحية أخرى تربك سلاسل التوريد العالمية وتضع الحكومات الغربية أمام مأزق داخلي في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
النتيجة أن البحر الأحمر لم يعد مجرد مسرح عسكري، بل تحول إلى ساحة حرب اقتصادية مفتوحة. إسرائيل فقدت منفذها الجنوبي، ومصر خسرت نصف عائدات قناة السويس، والأسواق العالمية تدفع ثمناً متزايداً لطرق أطول وكلف أعلى.
وفي ظل إصرار قوات صنعاء على ربط الحملة باستمرار حرب غزة، فإن الحظر البحري مرشح للاستمرار طوال 2025 وربما بعده، ما يعني أن الاقتصاد العالمي سيدفع فاتورة إضافية لحرب تبدو بعيدة جغرافياً، لكنها تلامس جيوب المستهلكين من تل أبيب إلى القاهرة وحتى برلين، ويبقى الحل هو إيقاف شلال الدماء النازف في غزة.