
ربما تمنَّى التجار والشركات والمستهلكون في أمريكا لو أنّ الرسوم الجمركية التي أعلن عنها ترامب في مطلع الشهر الجاري كانت مجرد “كذبة أبريل”، إلا أن السياسات التجارية الحمائية للرئيس الأمريكية تمثّل “حقيقة” تثير قلقهم ومخاوفهم على نحو متصاعد ومتسارع.
لكن ما يتمنونه في الوقت الحالي أن تكون هذه “الحقيقة” مجرد رسوم “مؤقتة” ليستخدمها ترامب في “الضغط” على الدول من أجل “التفاوض” في مسعى لتقليص العجز التجاري المتبادل، ورغم ذلك فإن كثيرين -سواء من التجار أو المستهلكين- يرون وفق متابعات بقش أن تداعيات هذه الحرب التجارية ستستمر لأشهر إن لم يكن لسنوات.
رفع الأسعار: “جرعة أبريل”
على المدى القريب يرى الكثير من الأمريكيين أن الرسوم ستؤدي إلى رفع الأسعار بالضرورة، وكذلك على المدى الطويل، بما يمثّل “جُرعة أبريل” -إن جاز التعبير- وليس كذبتها. وهو ما يجعل كثيرين متخوفين من التأثيرات على أرباح الأعمال والشركات وأيضاً على ميزانيات الأسر المنهكة بالفعل من التضخم الاقتصادي.
ويرون أن سياسات ترامب التجارية تزيد من الوضع المالي سوءاً بالنسبة إلى الأسر، ولا تؤدي لتحسينه كما تروّج الإدارة الأمريكية منذ شهر يناير 2025.
ويحمّل المواطنون الأمريكيون “اقتصاد ترامب” مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية الآن، وفق تحليل لشبكة “سي بي إس” اطلع عليه بقش. ويقول معظم الأمريكيين إن هذه السياسات الحمائية مسؤولة عن التكاليف المباشرة التي يتحملها المستهلكون نتيجة لارتفاع الأسعار.
وفي الغالب تنقل الشركاتُ التكاليفَ الناجمة عن الرسوم الجمركية إلى المستهلكين في صورة “أسعار أعلى”.
فمثلاً، يُتوقَّع ارتفاع متوسط معدل الرسوم الجمركية الفعلي بشكل كبير وسط التعريفات الحالية، ليصل المعدل إلى مستويات لم تشهدها البلاد منذ العام 1943.
وارتفعت أسعار المستهلكين بمختلف الفئات، ما يتسبب في زيادة ضريبية متوسطة تبلغ نحو 1300 دولار لكل أسرة خلال عام 2025.
وتورد قناة “سي بي إس نيوز” الأمريكية أن منتجات عديدة ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ، مثل الغسالات والمجففات التي ارتفعت أسعارها بنحو 86 دولاراً و92 دولاراً للوحدة على التوالي، وذلك بعد أن تم فرض رسوم جمركية على هذه المنتجات.
خيارات ضيقة للمستهلكين
بات المستهلكون الأمريكيون أمام خيارات ضيقة، إذ انخفض توافر السلع المستوردة بسبب أن الرسوم الجمركية تجعل السلع المستوردة أكثر تكلفة، لذلك يجد الكثير من المستهلكين أنفسهم أمام خيارات أقل متاحة في السوق.
ويُتوقَّع أن يكون تراجُع الواردات كبيراً، فالتقديرات التي اطلع عليها بقش تشير إلى انخفاض إجمالي الواردات الأمريكية بأكثر من 800 مليار دولار خلال 2025 فقط، وهذا يحد من وصول المستهلكين إلى العديد من المنتجات التي قد تكون غير منتجَة محلياً، أو تتوفر بأسعار أقل من الأسواق الخارجية.
من جانب آخر، يواجه تجار التجزئة تكاليف أكبر من المعتادة، بسبب فرض الرسوم الجمركية الشاملة، وإن تم تعليقها لثلاثة أشهر باستثناء الصين.
وقد يختار تجار التجزئة تقليل مخزونهم أو الحد من تنوع المنتجات التي يعرضونها، وهو ما يضيّق أيضاً من خيارات المستهلكين، ويرفع الأسعار كذلك، نتيجة لتعديل استراتيجيات التسعير لدى تجار التجزئة سعياً منهم إلى الحفاظ على هوامش الربح.
هذا وتزيد الرسوم الجمركية -منذ إعلانها في 02 أبريل- من حالة عدم اليقين اقتصادياً، وهو ما يدفع الأسر والشركات إلى تأجيل قرارات الاستثمار والاستهلاك، وقد يُضعف ترددهم النموَّ الاقتصادي ويؤثر على استقرار الوظائف، وبالنتيجة التأثير على ثقة المستهلكين بصورة متفاقمة.