
الاقتصاد اليمني | بقش
يرى اقتصاديون أن التوتر والانقسام السياسي الحاصل في الوسط الرسمي بعدن، بين المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً والحكومة المدعومة من السعودية، يقوّض مساعي حكومة عدن لنقل المراكز المالية للبنوك اليمنية من صنعاء إلى عدن، ويهدد بمزيد من المخاطر الاقتصادية والمصرفية، بما يلغي سلامة البيئة المصرفية.
وحاولت حكومة عدن تقديم مدينة عدن باعتبارها بيئة بديلة وآمنة نسبياً للعمل المصرفي والتجاري، لكن ذلك بات اليوم مهدداً بفعل تصاعد التوترات السياسية والعسكرية في المدينة والمحافظات الجنوبية والشرقية، في ظل سعي القوى المحلية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي، لفرض واقع سياسي جديد بالقوة، الأمر الذي يفتح الباب أمام مخاطر اقتصادية جسيمة في هذه المناطق.
ويرى المحلل الاقتصادي وفيق صالح، أن ما تشهده عدن والمحافظات الجنوبية من تصعيد على طريق التقسيم، قد يُفقد المدينة رمزيتها في كونها بيئة مناسبة وآمنة للعمل المصرفي والعمل الاقتصادي بشكل عام.
وأضاف صالح في منشور اطلع عليه “بقش”، أن “استمرار المواجهة مع الحكومة الشرعية من قبل المجلس الانتقالي ومحاولة فرض التقسيم بالقوة، يعرّض القطاع البنكي والمصرفي للخطر، وسيكون لهذه الخطوة تداعيات وآثار اقتصادية على المحافظات الجنوبية بشكل عام، ولا يُستبعد أن يكون هناك ردود فعل دولية قد تؤدي إلى العزلة الاقتصادية، وتعرض كافة المصالح والقطاعات الاقتصادية لخطر العقوبات بما فيها القطاع البنكي والمصرفي بذات الطريقة التي حصلت مع جماعة الحوثي”.
اهتزاز البيئة المصرفية وشبح العقوبات
في تعليق لـ”بقش”، قال المصرفي في عدن “سليم مبارك”، إن العمل المصرفي بطبيعته شديد الحساسية تجاه المخاطر السياسية والأمنية، فالبنوك لا يمكنها العمل في بيئات الصراع أو الانقسام أو الغموض القانوني، بل تحتاج إلى سلطة واحدة واضحة تتحمل المسؤولية القانونية، وبيئة أمنية مستقرة تضمن سلامة الموظفين والمقرات.
كما تحتاج البنوك إلى إطار قانوني معترف به دولياً، ووضوح في السياسات النقدية والمالية وفقاً لمبارك، مشيراً إلى أنه خلال السنوات الماضية نجحت عدن نسبياً في توفير هذه الشروط بالحد الأدنى، لكن هذا التوازن الهش بات مهدداً اليوم مع تصاعد الخطاب والممارسات السياسية التي تضع المدينة على طريق الانقسام.
وما تشهده عدن والمحافظات الجنوبية من تصعيد سياسي وعسكري، ومحاولات فرض مشروع التقسيم بالقوة، لا يمكن النظر إليه باعتباره شأناً سياسياً داخلياً معزولاً، بل هو تطور له تداعيات اقتصادية مباشرة، أبرزها تقويض رمزية عدن كمركز مالي.
ويؤدي ذلك إلى تآكل ثقة المؤسسات المالية الدولية والبنوك المراسلة التي لا تتعامل مع كيانات غير معترف بها أو مناطق نزاع مفتوح.
ويرى الاقتصاديون أنه في حال فرض واقع سياسي جديد بالقوة، ستجد البنوك نفسها في موقع حرج، إما الانخراط في واقع غير معترف به دولياً، أو مواجهة العزلة والعقوبات.
وأحد أخطر التحذيرات التي تطرحها هذه التطورات هو احتمال تعرض عدن والجنوب لسيناريو مشابه لما حدث في مناطق حكومة صنعاء، فالمجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة، يتعامل بصرامة مع أي كيان يفرض سلطة أمر واقع خارج الأطر الشرعية.
ويشير الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي، في حديث لـ”بقش”، إلى أن أي هزة في القطاع المصرفي ستقود بالضرورة إلى شلل في حركة الاستيراد والتصدير، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتراجع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وحدوث مزيد من التدهور في قيمة العملة الوطنية.
ولا تتوقف المخاطر عند النخب السياسية أو المؤسسات المالية وفقاً للحمادي، بل تطال المواطن اليمني في مناطق حكومة عدن بشكل مباشر، وتضعه أمام أزمة معيشية أشد تعقيداً.
هذا وتكشف التطورات الراهنة أن مستقبل عدن الاقتصادي والمالي، مرتبط بمسار الصراع السياسي القائم، حيث إن استمرار التصعيد ومحاولات فرض التقسيم بالقوة لا يهددان وحدة اليمن فحسب، بل يقوضان أحد آخر الأعمدة الاقتصادية التي ما زالت تحاول البقاء.


