فنزويلا تتحصن بشراكة استراتيجية مع روسيا وسط تصعيد أمريكي وأسواق النفط تترقب

الاقتصاد العالمي | بقش
في خطوة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الإطار الدبلوماسي، أقر البرلمان الفنزويلي بالإجماع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع روسيا في قراءته الأولى. وأعلن رئيس الجمعية الوطنية خورخي رودريغيز القرار مؤكداً أن “الإجماع يعبّر عن وحدة الموقف الوطني في مواجهة التهديدات الخارجية وضرورة بناء تحالفات مع شركاء موثوقين مثل موسكو”.
الاتفاقية التي قدمها النائب روي دازا عن الحزب الحاكم وُصفت بأنها وثيقة طويلة المدى، تعكس التطور السريع في العلاقات الثنائية، وتضع أساساً لتعاون يشمل السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والطاقة والدفاع.
هذا التصويت بالإجماع لم يكن مجرد إجراء بروتوكولي، بل جاء ليظهر أن المؤسسة التشريعية تقف خلف استراتيجية الرئيس نيكولاس مادورو في مواجهة الضغوط الأمريكية.
مادورو: روسيا كسرت هيمنة الغرب
الرئيس نيكولاس مادورو رحب بالخطوة مؤكداً وفق اطلاع بقش أن روسيا “انتصرت في معركتها ضد هيمنة الغرب الجماعي”، وأن الاقتصاد الروسي أثبت قدرته على الصمود رغم أكثر من 25 ألف عقوبة فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا منذ غزو أوكرانيا.
وأضاف أن “النظام التجاري العالمي القديم انتهى، وأن الاقتصاد العالمي بات بلا قواعد واضحة”، في إشارة إلى انهيار الثقة في المؤسسات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية.
مادورو اتهم واشنطن علناً بالتخطيط لتغيير السلطة في فنزويلا من أجل السيطرة على احتياطيات البلاد الهائلة من النفط والغاز والذهب، وفق تصريحاته التي تابعها بقش. وأكد أن الولايات المتحدة أرسلت سفناً حربية وغواصة نووية إلى البحر الكاريبي بذريعة مكافحة المخدرات، بينما ترى كاراكاس أن الهدف الحقيقي هو زعزعة استقرار النظام.
ورداً على ذلك، نشرت فنزويلا قواتها العسكرية والقوات الشعبية على الحدود وفي مواقع استراتيجية، في استعراض لقوة ردعية وإن كان غير متكافئ مع القدرات العسكرية الأمريكية.
تحصين اقتصادي وعسكري
الاتفاقية مع روسيا تمثل بالنسبة لكاراكاس فرصة مزدوجة للتحصين. فمن الناحية الاقتصادية، توفر الاتفاقية قناة لتدفقات مالية واستثمارات في ظل العقوبات الأمريكية التي شلّت تعاملاتها مع النظام المصرفي الغربي. ومن الناحية العسكرية، تمنح التعاون الأمني والدفاعي مع موسكو مظلة حماية سياسية وتكنولوجية، خصوصاً في مجالات التسليح وأنظمة الدفاع الجوي.
ويرى محللون أن فنزويلا تسعى من خلال هذا التحالف إلى كسر العزلة التي تحاول واشنطن فرضها، وتعويض خسائرها من تراجع الاستثمار الغربي، عبر انفتاح أوسع على روسيا والصين وإيران.
في المقابل، فإن موسكو، المحاصرة بالعقوبات الغربية، تجد في كاراكاس منفذاً مهماً لتوسيع حضورها في أمريكا اللاتينية، المنطقة التي تعتبرها الولايات المتحدة مجالاً حيوياً تاريخياً لنفوذها.
انعكاسات على أسواق النفط والغاز
البعد الطاقي في الاتفاقية لا يقل أهمية عن أبعادها السياسية. فنزويلا، التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، ترى في الشراكة مع روسيا فرصة لإعادة إحياء صناعتها النفطية المتعثرة بسبب العقوبات ونقص التكنولوجيا الغربية.
شركات الطاقة الروسية مثل “روسنفت” و”غازبروم” مرشحة للعب دور أكبر في تطوير الحقول والبنية التحتية الفنزويلية، بما في ذلك تحديث المصافي وتوسيع شبكات التصدير.
هذا التعاون قد يعيد إدماج النفط الفنزويلي بشكل أكبر في الأسواق العالمية عبر قنوات غير تقليدية، سواء من خلال مقايضات مع الصين والهند أو عبر شبكات تجارية جديدة تقودها موسكو.
وإذا تحقق هذا السيناريو، فإن أمريكا اللاتينية ستشهد تغيراً في خريطة الطاقة، مع دخول روسيا لاعباً أوسع في المنطقة، ما قد يضغط على حصة الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين مثل كولومبيا والبرازيل في أسواق التصدير.
واشنطن بين التصعيد والارتباك
في واشنطن، يتصاعد الجدل حول كيفية التعامل مع هذا التحالف الجديد. بعض الأصوات تدعو إلى فرض عقوبات أشد على قطاع النفط الفنزويلي ومنع أي تعاون مع الشركات الروسية حسب اطلاع بقش، بينما يحذر آخرون من أن التصعيد قد يدفع كاراكاس إلى مزيد من الارتماء في أحضان موسكو وبكين.
البيت الأبيض يجد نفسه أمام معادلة صعبة، إما الاستمرار في سياسة الضغط القصوى، أو محاولة فتح قنوات تفاوض لتفادي فقدان النفوذ في منطقة تعد شرياناً استراتيجياً للطاقة ومعبراً أساسياً للتجارة البحرية.
المشهد في كاراكاس يعكس مرحلة جديدة من الاستقطاب العالمي. فنزويلا تتحرك لتأمين نفسها اقتصادياً وعسكرياً عبر روسيا، بينما ترى واشنطن أن هذا التحالف يشكل تهديداً مباشراً لمصالحها في نصف الكرة الغربي.
الاتفاقية التي أقرها البرلمان الفنزويلي بالإجماع ليست مجرد إعلان نوايا، بل بداية مسار قد يعيد رسم خريطة الطاقة في أمريكا اللاتينية ويزيد حدة المواجهة بين القوى الكبرى. ومع احتياطي نفطي هائل وضغوط أمريكية متصاعدة، تبدو فنزويلا مصممة على توظيف شراكتها مع موسكو كدرع واقٍ في معركة طويلة الأمد حول النفوذ والموارد.