في مجموعة “دردشة جماعية” لتخطيط ضرب اليمن.. ما الذي يفعله “محرر صحفي” مع قادة الأمن القومي الأمريكي؟

في حادثة تمثّل اختراقاً كبيراً للخطط والسياسات والإدارة الأمريكية، أقرَّ البيت الأبيض، الإثنين، أن رئيس تحرير مجلة “أتلانتيك” الأمريكية ضمَّ بالخطأ صحفياً إلى “مجموعة محادثة سرية” يتواجد فيها كبار المسؤولين الأمريكيين في إدارة ترامب ومنهم وزير الدفاع “بيت هيغسيث” ومستشار الأمن القومي “مايك والتز”، لمناقشة توجيه ضربات ضد اليمن.
مجلة أتلانتيك نشرت قصة بقلم المحرر الصحفي الأمريكي “جيفري غولدبرغ” جاء فيها أنّ “قادة الأمن القومي الأمريكي ضمّوني إلى محادثة جماعية (على تطبيق سيجنال) حول الضربات العسكرية المقبلة في اليمن”، وأضاف حسب اطلاع بقش: “لم أكن أعتقد أن ذلك قد يكون حقيقياً، ثم بدأت القنابل تتساقط”.
وادّعى غولدبرغ أنه تم تسجيل الدخول في الدردشة بالأحرف الأولى من اسمه “JG”، مما يشير إلى أن مستشار الأمن القومي “والتز” أو أحد مرؤوسيه قد أخطأ في معلومات “Signal” الخاصة به ومعلومات “جيمسون غرير” (Jamieson Greer) المحامي التجاري الأمريكي الذي غالباً ما يحضر اجتماعات مجلس الأمن القومي.
في البداية حين تلقى غولدبرغ طلب اتصال من “والتز”، كان متشككاً في أن هذا الاتصال من مستشار الأمن القومي الفعلي لترامب، واشتبه في أنه ربما كان شخصاً “يتنكر” في زيّه، لكن بعد ذلك في 13 مارس، أصدر والتز تعليمات للمشاركين في “المجموعة الصغيرة للحوثيين” بتوفير أفضل نقطة اتصال من فريقهم للمساعدة في المراسلات خلال عطلة نهاية الأسبوع المقبلة.
“خرق مذهل” أم “خطأ غير مقصود”؟
حصل الصحفي غولدبرغ على إشعار مسبق بساعات عبر مجموعة دردشة على التطبيق “سيجنال” الذي يتم الترويج له باعتباره آمناً يحمي الخصوصية وأمن البيانات.
ولم يكشف الصحفي عن تفاصيل الخطة، لكنه قال إن وزير الدفاع الأمريكي “بيت هيغسيث” شارك في المحادثة معلومات حول الضربات، بما في ذلك الأهداف العسكرية في اليمن والأسلحة التي ستنشرها الولايات المتحدة، وترتيب تنفيذ الهجمات.
الخرق وُصف في التقارير الأمريكية بأنه “خرق مذهل”، وقد أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، براين هيوز، أنّ رسائل المحادثة هي رسائل حقيقية وأصلية بالفعل، مضيفاً: “نحن نراجع كيف تمت إضافة رقم غير مقصود عن طريق الخطأ إلى المحادثة”.
مضمون المحادثات بين القادة الأمريكيين
حسب الصحفي غولدبرغ، فإن الرسالة المطولة من وزير الدفاع “هيغسيث” تشير إلى أنه كان المتوقع بدء الضربات الأولى في اليمن بعد ساعتين عند الساعة 1:45 مساء بالتوقيت الشرقي، وهو التوقيت الذي تزامن مع الضربات على الأرض في اليمن بالفعل.
وأُضيف غولدبرغ إلى هذه المجموعة قبل يومين من الهجوم، ووصلته رسائل من مسؤولين حكوميين أمريكيين بارزين حدّدوا ممثلين للعمل على تنفيذ الضربات.
وأبدى شخص يُرجَّح أنه نائب الرئيس ترامب “جيه دي فانس” في 14 مارس الجاري، تحفظاته على تنفيذ الضربات، وقال إنه “يكره إنقاذ أوروبا مرة أخرى”، وإن الدول الأوروبية هي الأكثر تأثراً بهجمات الحوثيين على الشحن البحري مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية.
لكن، حسب الرسائل، دافع مستشار الأمن القومي مايك والتز ووزير الدفاع هيغسيث، عن أهمية تنفيذ العملية هذه، وقال الوزير إنه يشارك النائب “فانس” كرهه لاعتماد الأوروبيين المجاني على الولايات المتحدة، لكنه أكد أن “الولايات المتحدة هي من يجب عليها أن تعيد فتح ممرات الشحن هذه، وهي الوحيدة القادرة على ذلك”.
وأضاف وزير الدفاع: “أشعر أن الوقت الحالي هو الوقت المناسب مثل أي وقت آخر. أعتقد أننا يجب أن نذهب، لكن POTUS (الرئيس الأمريكية) لا يزال يحتفظ بمساحة 24 ساعة من اتخاذ القرار”.
ثم تراجع “فانس” عما قاله وقال لوزير الدفاع: “إذا كنتَ تعتقد أننا يجب أن نفعل ذلك (الضربات) فلنذهب. أنا فقط أكره إنقاذ أوروبا مرة أخرى”.
وفي نفس الوقت أرسل شخص يُشار إليه بـ”S M” (وعلى الأرجح هو مستشار ترامب “ستيفن ميلر”) رسالةً قالت إنه في حال نجاح الولايات المتحدة في استعادة حرية الملاحة بتكلفة كبيرة فإنه يجب تحقيق “مكاسب اقتصادية إضافية في المقابل”، مشيراً إلى أنه تم التوضيح لمصر وأوروبا “ما نتوقعه في المقابل”.
ردود فعل عنيفة
الرئيس الأمريكي ترامب قال للصحفيين إنه لا يعلم شيئاً عن هذا الموضوع، وإنه يسمع به لأول مرة، وجدد التأكيد على أن الهجمات الأمريكية في اليمن “فعالة”.
هذه الحادثة، التي مثّلت فضيحة من نوع غير مسبوق، أثارت غضباً كبيراً من الحزبين. وعلى منصة “إكس” كتب نائب رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ “مارك وارنر” (ديمقراطي من فيرجينيا): “هذه الإدارة (إدارة ترامب) تلعب بسرعة وفضفاضة مع المعلومات الأكثر سرية في أمتنا، وتجعل جميع الأمريكيين أقل أماناً”.
أما النائب الجمهوري من نيويورك “مايك لولر” فقال: “لا ينبغي نقل المعلومات السرية على قنوات غير آمنة، ويجب وضع ضمانات لضمان عدم حدوث ذلك مرة أخرى”.
وذكر النائب الجمهوري من ولاية نبراسكا “دون بيكون”: “لقد أُرسلت رسالة نصية إلى الشخص الخطأ عن طريق الخطأ، وكان الإجراء غير المعقول هو إرسال هذه المعلومات عبر شبكات غير آمنة، ولم يكن ينبغي إرسال أي من هذا على أنظمة غير آمنة” وفق قراءة بقش. وتابع: “من المؤكد أن روسيا والصين تراقبان هاتف هيغسيث غير السري”.
هذا وأزال “غولدبرغ” نفسه لاحقاً من الدردشة الجماعية، وتواصل مع المسؤولين بما في ذلك “والتز” و”هيجسيث” وآخرين بشأن ارتكاب هذه “الهفوة”.