قمة فلوريدا على صفيح ساخن بين ترامب ونتنياهو.. سلام متعثر وخلافات مكتومة

الاقتصاد العالمي | بقش
في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا، يلتقي الرئيس الأمريكي ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، في لقاء وُصف بأنه من أكثر الاجتماعات حساسية منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، نظراً لتشابك الملفات المطروحة وتعقّد الخلافات بين الجانبين.
يتصدر جدول الأعمال ملف غزة، إلى جانب حزب الله في لبنان، والبرنامج الصاروخي الإيراني، فضلاً عن التوترات المتصاعدة في سوريا، واللقاء هو السادس بين الاثنين خلال عام واحد، ويأتي في توقيت بالغ الدقة، إذ يسعى نتنياهو إلى انتزاع دعم أمريكي صريح لمواقفه المتشددة، في وقت باتت فيه رؤية ترامب للمنطقة أكثر تباعداً عن السياسات الإسرائيلية، وفق اطلاع بقش على صحيفة واشنطن بوست.
اختبار الصداقة السياسية
قبل ثلاثة أشهر فقط، وصف نتنياهو ترامب بأنه “أعظم صديق حظيت به إسرائيل في البيت الأبيض”، غير أن هذه العلاقة الوثيقة تخضع اليوم لاختبار حقيقي. فترامب، الذي بنى إرثه السياسي على فكرة “صانع السلام”، بات ينظر بقلق إلى خطوات إسرائيل التي يرى أنها تُقوّض اتفاقات وقف إطلاق النار وتحرجه دولياً.
وتشير مصادر تحدثت لواشنطن بوست إلى أن العلاقة بين الطرفين شهدت تدهوراً ملحوظاً، ما قد يجعل مهمة نتنياهو في إقناع ترامب أكثر تعقيداً، خصوصاً مع تصاعد الخلافات حول غزة وإيران ولبنان.
وبالنسبة لنتنياهو، تمثل زيارته إلى فلوريدا “فرصة حاسمة” لمحاولة دفع الإدارة الأمريكية إلى تبني موقف أكثر تشدداً تجاه غزة. ويصرّ نتنياهو على أن أي انتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام يجب أن يكون مشروطاً بنزع سلاح حركة “حماس” بالكامل، قبل تنفيذ انسحاب إسرائيلي أوسع من القطاع.
وكان ترامب قد وصف، في أكتوبر الماضي، اتفاق السلام بين إسرائيل و”حماس” بأنه “فجر جديد” للشرق الأوسط.
لكن تنفيذ خطته المكوّنة من 20 بنداً حسب متابعة بقش، تعثَّر لاحقاً، نتيجة رفض إسرائيل الانتقال إلى المرحلة الثانية، التي تتضمن إنشاء مجلس سلام، وتشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة الشؤون الداخلية لغزة، إضافة إلى نشر قوة استقرار دولية.
وتواصل إسرائيل، في الوقت نفسه، شن غارات داخل قطاع غزة، رغم سريان وقف إطلاق النار، فيما تعرقل أي انسحاب موسّع قد يترتب على المرحلة التالية من الاتفاق.
المستوطنات تشعل التوتر مع واشنطن
بلغ التوتر بين واشنطن وتل أبيب ذروته عندما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس نية إسرائيل إقامة مستوطنات داخل غزة، في خطوة اعتُبرت تحدياً مباشراً لخطة السلام الأمريكية. وقد قوبل هذا الإعلان بتوبيخ من مسؤولين أمريكيين، لكن كاتس عاد بعد يومين ليؤكد أن إسرائيل لن تنسحب بالكامل من القطاع.
في سياق متصل، قال ترامب عقب اغتيال القيادي في “حماس” رائد سعد في 13 ديسمبر، إنه يدرس ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار. كما نقل موقع أكسيوس عن مسؤول أمريكي قوله لنتنياهو: “لن نسمح لكم بإفساد سمعة الرئيس ترامب بعد أن أبرم هذا الاتفاق”.
رغم ذلك، يصرّ مسؤولون إسرائيليون على أن نزع السلاح الكامل وتدمير شبكة الأنفاق قد يستغرق سنوات، ما يجعل الانسحاب في الوقت الحالي، من وجهة نظرهم، أمراً غير ممكن.
حسابات داخلية وضغوط انتخابية
يحاول نتنياهو الظهور بمظهر القوي والمنتصر، خصوصاً مع اقتراب انتخابات 2026، وسط انتقادات داخلية حادة يواجهها منذ هجوم 07 أكتوبر 2023، بسبب ما وُصف بالفشل الاستخباراتي والأمني.
كما يتعرض لضغوط من اليمين المتطرف، الذي يرى أنه لم يذهب بعيداً بما يكفي في “تدمير حماس”، رغم الحرب التي أودت بحياة أكثر من 70 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وأدت إلى تدمير واسع النطاق في القطاع.
يعلّق السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، دانيال شابيرو، على ذلك بالقول إن غزة تمثل “القضية الأكثر مركزية للطرفين”، مضيفاً أن ترامب يريد إثبات أن الاتفاق الذي أبرمه قابل للتنفيذ، بينما يواجه نتنياهو مخاطرة سياسية كبيرة إذا خاض الانتخابات باتفاق يُبقي “حماس” حاضرة في غزة، ولو بشكل غير مباشر.
وإلى جانب غزة، يسعى نتنياهو للحصول على “ضوء أخضر” أمريكي لتنفيذ ضربة جديدة ضد البرنامج الصاروخي الإيراني، وربما ضمن عملية مشتركة مع الولايات المتحدة.
ويأتي ذلك رغم أن ترامب كان قد طالب بإنهاء الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي استمرت 12 يوماً في يونيو الماضي، وأعلن حينها أن البرنامج النووي الإيراني “دُمّر بالكامل” بواسطة قاذفات الشبح الأمريكية.
وتقول مصادر إسرائيلية إن نتنياهو يعتبر أن إيران تشهد “توسعاً خطيراً” في قدراتها الصاروخية الباليستية، ما يستدعي بحث خيارات عسكرية إضافية.
وفي خطوة لافتة، نشر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، مقطع فيديو مولداً بالذكاء الاصطناعي يُظهر نتنياهو وترامب وهما يقودان معاً قاذفة B-2 الشبحية، وهي الطائرة نفسها التي استخدمتها الولايات المتحدة لضرب منشآت نووية إيرانية في يونيو.
واشنطن تفضّل التفاوض
رغم أولوية الملف الإيراني لدى ترامب، تشير المصادر إلى أن إدارته تفضّل فتح مسار تفاوضي جديد مع طهران قبل اللجوء إلى أي تصعيد عسكري.
مورجان أورتيجاس، نائبة المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، أكدت أمام مجلس الأمن هذا الشهر، أن واشنطن لا تزال مستعدة لإجراء محادثات رسمية مع إيران حسب اطلاع بقش، مع التشديد على أنه “لا يمكن السماح بأي تخصيب لليورانيوم”.
في المقابل، حذّرت طهران من أنها في حالة “حرب شاملة” مع الولايات المتحدة وإسرائيل وأوروبا، مؤكدةً أن أي اعتداء جديد سيُقابل برد “أقسى”.
لبنان وسوريا: جبهات مفتوحة
وتمتد محادثات فلوريدا أيضاً إلى لبنان، حيث يواصل الجيش الإسرائيلي شن غارات شبه يومية على مناطق في الجنوب، رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة.
تثير هذه الضربات مخاوف من انزلاق المنطقة إلى جولة جديدة من العنف خلال الولاية الثانية لترامب، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمناطق جنوبية وإصرار تل أبيب على نزع سلاح “حزب الله” بسرعة.
وتنقل واشنطن بوست عن مصدر مطلع على نقاشات الإدارة الأمريكية قوله إن هناك تيارات متباينة داخل واشنطن، فريق يرى أن إسرائيل وحدها قادرة على تغيير حسابات “حزب الله”، وفريق آخر يخشى أن تؤدي السياسات الإسرائيلية إلى انفجار أوسع وفوضى إقليمية.
أما في سوريا، فقد أبدت إدارة ترامب انزعاجها من بعض العمليات العسكرية الإسرائيلية، معتبرةً أنها تعرقل إعادة بناء البلاد بعد سنوات من الحرب. ووفق ما نشرته الصحيفة وجّه ترامب تحذيراً علنياً لإسرائيل هذا الشهر، مطالباً إياها بعدم اتخاذ أي خطوات قد تعيق تحوّل سوريا إلى دولة مزدهرة.
تصدعات في رواية “صانع السلام”
خلال الأشهر الماضية، بدا أن نتنياهو يقوّض مراراً رواية ترامب حول نجاحه في إحلال السلام بالمنطقة.
فبعد إعلان ترامب نهاية الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل في الصيف، نفذ الاحتلال ضربات إضافية، ما أثار غضب ترامب ودفعه إلى توجيه تحذير علني.
كما ضغط ترامب على نتنياهو للاعتذار عقب ضربة إسرائيلية استهدفت مفاوضين من “حماس” في قطر، أثناء محادثات السلام في سبتمبر.
وكشف جاريد كوشنر، صهر ترامب، لشبكة CBS أن الرئيس شعر حينها بأن الإسرائيليين “بدأوا يفقدون السيطرة”، وأن الوقت قد حان “لوقفهم”.
يختصر دان ديكر، رئيس “مركز القدس للشؤون العامة والسياسات”، المشهد بقوله إن “قمة فلوريدا طارئة”، وإن سياقها الأساسي يتمثل في “ضرورة تهدئة الأجواء”، في ظل توترات حقيقية ومتراكمة بين الحليفين.


