أخبار الشحن
أخر الأخبار

قناة السويس تلتقط أنفاسها.. تعافٍ حذر في البحر الأحمر لكن تحت الضغط

أخبار الشحن | بقش

لأول مرة منذ عامين على الاضطرابات الأمنية العنيفة التي شهدها البحر الأحمر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، دخلت قناة السويس مرحلة تعافٍ محسوبة، إذ تتقدم بخطوات صغيرة ومدروسة، مستندة إلى مزيج من العوامل، أبرزها تخفيضات واسعة هي الأكبر في تاريخ القناة، وعودة شركات ملاحة عالمية عملاقة، وتحسن نسبي للأمن الملاحي.

لكن رغم التحسن التدريجي الذي يتتبَّعه “بقش”، لا تزال المخاطر قائمة، ما يجعل أي عودة كاملة مرهونة باستمرار الهدوء النسبي في البحر الأحمر، وتطورات الصراع الإقليمي والسياسي خلال الفترة المقبلة.

عودة “ميرسك”.. إشارة إيجابية في مسار الأزمة

شركة ميرسك الدنماركية العملاقة أبلغت عملاءها في أواخر نوفمبر الماضي بأنها أصبحت “قريبة من استئناف العبور” عبر البحر الأحمر وقناة السويس، شرط أن تسمح الظروف الأمنية بذلك، واعتُبر هذا الإعلان أول مؤشر صريح على أن الأزمة البحرية بدأت تدخل مرحلة الانفراج.

وأكدت الشركة أن التحسن الأمني خلال الأسابيع الأخيرة شجعها على إعادة جدولة بعض الرحلات عبر القناة، معتبرةً أن العودة إلى المسار التقليدي عبر السويس تمثل “نقطة تحول” مهمة في أزمة كبّدت القناة خسائر غير مسبوقة.

وقبل اندلاع الحرب على غزة، عبرت قناة السويس 1158 سفينة تابعة لشركة ميرسك وحدها، بإجمالي إيرادات بلغت نحو 733 مليون دولار، ما يعني أن عودة جزء من هذا النشاط، حتى لو كان تدريجياً، يمثل جرعة إنعاش مؤثرة في التدفقات الملاحية.

وأطلقت هيئة قناة السويس أكبر حملة تخفيضات جريئة في تاريخها، إذ مدّدت العمل بـ13 تخفيضاً على رسوم عبور السفن حتى منتصف 2026، وشملت التخفيضات السفن العملاقة ذات الحمولة الصافية فوق 130 ألف طن، وسفن الحاويات، وناقلات البترول، وناقلات الغاز الطبيعي، وحاملات السيارات، والسفن القادمة من غرب أوروبا والأمريكيتين والمتجهة إلى آسيا وفق اطلاع بقش.

وهذه السياسة، التي تُعد الأولى بهذا الحجم منذ إنشاء القناة، صُمّمت لتقليل الفجوة التنافسية بين مسار السويس والمسار البديل عبر جنوب أفريقيا.

مؤشرات للتعافي

وفقاً لبيانات هيئة قناة السويس، بين يوليو وأكتوبر 2025، عبرت 4405 سفن بحمولات بلغت 185 مليون طن مقارنةً بالفترة نفسها من 2024 البالغة 4332 سفينة بحمولات 167.6 مليون طن،
أي إن القناة بدأت بتحقيق أول معدل نمو إيجابي منذ 18 شهراً.

ورغم عودة الحركة تدريجياً، يشدد خبراء النقل البحري على أن شركات الملاحة العملاقة، خاصة الأوروبية والآسيوية، تعتبر سلامة الطواقم والسفن شرطاً غير قابل للتفاوض، فالتوترات في البحر الأحمر لم تختفِ بالكامل، وما تزال الهجمات المحتملة أو التهديدات غير المتوقعة عاملاً ضاغطاً على اتخاذ قرار العودة الكاملة.

خسائر السويس

شهدت قناة السويس انهياراً غير مسبوق في إيراداتها، حيث هبطت الإيرادات من 10.2 مليارات دولار في عام 2023 إلى 3.9 مليارات دولار فقط في عام 2024، ما يعني خسائر مباشرة فعلية بلغت نحو 6.3 مليارات دولار خلال عام واحد وفق البيانات التي جمعها بقش، وهو أكبر تراجع سنوي في تاريخ القناة منذ تأميمها في 1956.

ونجمت الخسائر عن تحويل مئات السفن مسارها إلى رأس الرجاء الصالح، وارتفاع مخاطر التأمين البحري في البحر الأحمر، وزيادة زمن الرحلات عبر أفريقيا (ما بين 9 إلى 14 يوماً إضافياً) وهو ما جعل شركات الشحن تفضل المخاطرة الزمنية على المخاطرة الأمنية.

لهذا اضطرت هيئة القناة إلى تنفيذ أكبر حملة تخفيضات في تاريخها، ما قلّل من الإيرادات المحتملة بعد عودة بعض السفن.

وعند احتساب خسائر العبور، والتسهيلات والتخفيضات، وانخفاض الرسوم المتغيرة على الحمولات، وخسائر الاقتصاد المصري المرتبطة بتراجع العملة الأجنبية، فإن إجمالي الأثر المالي للأزمة على الاقتصاد المصري عبر قناة السويس يمكن تقديره بما بين 8 إلى 10 مليارات دولار خلال عامي 2024–2025 مجتمعَين وفق اطلاع بقش على التقارير.

ومن المهم للغاية تعافي القناة للاقتصاد المصري، فقناة السويس هي ثالث أهم مصدر للنقد الأجنبي لمصر بعد تحويلات المصريين بالخارج والصادرات السلعية، ومع الانهيار الكبير في الإيرادات، أصبح التعافي ضرورة لا خياراً، خصوصاً مع هشاشة مالية مزمنة وارتفاع الدين العام وتضخم تكلفة خدمة الدين الخارجي لمصر التي تُعد ثاني أكبر مقترض في العالم بعد الأرجنتين.

توقعات الشحن في البحر الأحمر

تشير التحليلات الأخيرة إلى أن السيناريو الأول في توقعات الشحن هو عودة تدريجية منتظمة للسفن إلى البحر الأحمر خلال 2026، ويرتبط هذا السيناريو باستمرار الهدوء النسبي لستة أشهر متتالية، واستمرار التخفيضات والحوافز، وتنسيق أمني دولي أكبر لحماية الممر الملاحي.

ووفق تقديرات خبراء الملاحة، فإن عودة تدريجية كاملة قد تستغرق بين 6 إلى 12 شهراً، مع نسبة نمو محتملة في الإيرادات بين 20% إلى 35% خلال 2026.

وهناك سيناريو ثانٍ وهو العودة الجزئية الدائمة، فحتى مع تحسن الأمن، قد تُفضّل بعض الشركات، خاصة التي أعادت هيكلة مساراتها، الاستمرار في مسار رأس الرجاء الصالح بسبب حسابات التأمين، وعقود الشحن الجديدة، العوائد اللوجستية على المدى البعيد. وفي هذا السيناريو، قد لا تعود الإيرادات إلى مستوى 10 مليارات دولار قبل عام 2027–2028.

والسيناريو الثالث هو “انتكاسة جديدة”، ففي حال تجدد التوترات الإقليمية أو وقوع هجمات بحرية، فمن المتوقع توقف العودة وهروب السفن مجدداً وتراجع الإيرادات إلى مستويات 2024 أو أقل، وهذا السيناريو هو الأكثر خطورة، وتعمل مصر ودول إقليمية وغربية على منعه عبر ترتيبات أمنية مشتركة.

هل يمكن للقناة استعادة مكانتها بالكامل؟

تملك قناة السويس عدة عناصر قوة، أبرزها الموقع الجغرافي الذي لا يمكن تجاوزه، وتحديثات البنية التحتية، والقدرة على تقديم حوافز ضخمة، والدعم الدولي القوي لاستمرار حركة التجارة عبرها.

لكن هناك تحديات حقيقية تتمثل في صعود مسار رأس الرجاء الصالح كبديل مقبول في الأزمات، والتطور المستمر في الممرات الشمالية عبر القطب، والمنافسة المتزايدة بين ممرات الشحن العالمية. ورغم ذلك، يتفق الخبراء على أن القناة شريان ملاحي تجاري أكثر أهمية بين الشرق والغرب، لكن قدرتها على الحفاظ على حصتها تعتمد على مزيج من الأمن والأسعار وجودة الخدمة والاستقرار الإقليمي.

الخلاصة أن أزمة البحر الأحمر لا تزال اختباراً لقناة السويس في تاريخها الحديث، إذ تراجعت الإيرادات بنحو 6.3 مليارات دولار خلال عام واحد، وتعرض الاقتصاد المصري لضغط مالي كبير، إلا أن عودة شركات الملاحة الكبرى، وعلى رأسها ميرسك وCMA CGM الفرنسية، تشير إلى أن القناة بدأت تتجاوز أسوأ مراحل الأزمة. ومع ذلك فإن التعافي لا يزال هشاً، والعودة الكاملة ستظل مشروطة بالأمن البحري، وباستمرار سياسات الحوافز القادرة على منافسة المسارات البديلة.

زر الذهاب إلى الأعلى