
منوعات | بقش
كشفت صحيفة بوليتيكو الأمريكية أن المرسوم التنفيذي الصادر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والقاضي بتغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، سيفرض على واشنطن أعباء مالية هائلة قد تصل إلى مليارات الدولارات، ويرجع ذلك إلى الحاجة لإعادة طباعة وتغيير الأختام والشعارات واللافتات الرسمية على أكثر من 700 ألف منشأة عسكرية وإدارية منتشرة في 40 دولة، إلى جانب الولايات الخمسين.
بحسب التقرير الذي اطلع عليه مرصد بقش، فإن البنتاغون يواجه مهمة شاقة لإعادة هيكلة مؤسسة ضخمة تضم ستة فروع عسكرية وعشرات الوكالات المرتبطة بها. وتشمل التغييرات ليس فقط المباني والمنشآت، بل أيضاً تفاصيل شكلية مثل المناديل المنقوشة في قاعات الطعام، السترات المطرزة للمسؤولين، سلاسل المفاتيح، والهدايا التذكارية في متجر البنتاغون.
عدد من المسؤولين الدفاعيين السابقين والحاليين عبّروا عن إحباطهم وغضبهم، مؤكدين أن هذه الخطوة “تغيير شكلي” لن يسهم في معالجة التحديات الجوهرية التي تواجه الجيش الأمريكي، وعلى رأسها التقدم العسكري لروسيا والصين.
جدل سياسي ورسائل متناقضة
ترامب برّر قراره في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض قائلاً: “لقد انتصرنا في الحرب العالمية الأولى، وانتصرنا في الحرب العالمية الثانية… ثم قررنا أن نصبح وزارة حرب”، غير أن مسؤولين دفاعيين نقلت عنهم بوليتيكو رأوا أن القرار يخدم في المقام الأول الجمهور السياسي المحلي، وأنه قد يُستخدم من قبل خصوم الولايات المتحدة كدليل على أنها دولة “محرضة على الحرب” وتهديد مباشر للاستقرار الدولي.
وأشارت الصحيفة إلى أن حساب البنتاغون على منصة “إكس” تم تغييره ليحمل اسم وزارة الحرب وصورة رمزية جديدة، بينما لا يزال الشعار الرسمي على الصفحة يعرض هوية وزارة الدفاع القديمة، في دلالة على الارتباك الإداري الذي يرافق هذه الخطوة.
تحذيرات الخبراء تشير إلى أن هذه الخطوة ستضيف أعباء مالية على الميزانية الأمريكية في وقت تواجه فيه البلاد تحديات اقتصادية وضغوطاً متزايدة على الإنفاق العسكري. كما أن كلفة إعادة العلامة البصرية والرمزية لمؤسسة بحجم وزارة الدفاع لن تكون محدودة، بل ستتجاوز ملايين الدولارات إلى مليارات، مع الأخذ بعين الاعتبار الطباعة، اللوجستيات، والعمليات البيروقراطية المتصلة بها.
سياسياً، يرى محللون أن هذه الخطوة قد تضر بصورة الولايات المتحدة دولياً، حيث سيستغل خصومها هذا التغيير لتأكيد رواياتهم حول “النزعة العدوانية الأمريكية”، في حين أن الحلفاء قد يجدون أنفسهم أمام تساؤلات صعبة حول جدية واشنطن في الالتزام بالسلام والاستقرار العالمي.
رسوم لا طائل منها
يدفع خبراء الاقتصاد إلى اعتبار المليارات التي ستنفق على إعادة تسمية وزارة الدفاع مجرد إنفاق غارق، إذ لا يترتب عليه أي قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد أو للمؤسسة العسكرية. فهذه الأموال ستذهب إلى تغيير شعارات وأختام وواجهات إدارية، دون أن تخلق أصولًا جديدة أو تعزز القدرات القتالية الأمريكية، ما يجعلها أشبه بفاتورة شكلية تستهلك الموازنة بدل أن تضيف إليها.
وفي السياق نفسه، يحذر محللون من أن هذا النوع من الإنفاق غير المنتج لا يعزز حتى ثقة الأسواق أو مكانة الدولار عالمياً، بل يرسخ صورة دولة تنفق موارد هائلة على تفاصيل رمزية بينما تواجه تحديات عسكرية واقتصادية أكثر جوهرية. وبهذا، تتحول مليارات الدولارات إلى عبء إضافي على دافعي الضرائب دون أي مردود ملموس على القوة الصلبة أو الناعمة للولايات المتحدة.
من زاوية أخرى، يرى مسؤولون عسكريون سابقون أن هذه الكلفة ستأتي بالضرورة على حساب برامج أساسية داخل البنتاغون، مثل تحديث أنظمة الأسلحة، وتمويل الأبحاث العسكرية المتقدمة، والاستثمار في الذكاء الاصطناعي الدفاعي الذي يعد محور السباق مع الصين وروسيا وفق قراءة بقش. ويخشون أن يؤدي ذلك إلى تقليص الموارد المخصصة لمجالات استراتيجية في وقت تحتاج فيه واشنطن إلى كل دولار للحفاظ على تفوقها العسكري والتكنولوجي.
إلى جانب الأثر الداخلي، فإن خصوم واشنطن الدوليين، وفي مقدمتهم روسيا والصين، قد يستثمرون هذا القرار سياسياً واقتصادياً عبر تصوير الولايات المتحدة كـ”دولة حرب” أكثر من كونها قوة استقرار.
ويعتقد خبراء أن مثل هذا الخطاب يمكن أن يستخدم لجذب المستثمرين الأجانب بعيداً عن السوق الأمريكية، والادعاء بأن بيئة الاستثمار في الولايات المتحدة باتت أكثر ارتباطاً بالتصعيد العسكري والإنفاق السياسي الشعبوي، وهو ما قد يضعف صورتها كمركز عالمي آمن للأموال.