
تهاوى الريال اليمني بمناطق حكومة عدن المعترف بها دولياً إلى أدنى مستوى تاريخي له عند أكثر من 2380 ريالاً للدولار الواحد، في مؤشر يزيد من خطورة وتعقيد الأوضاع الاقتصادية والمصرفية التي لم تتمكن الحكومة من السيطرة عليها.
ويأتي ذلك مقابل استقرار العملة بمناطق حكومة صنعاء غير المعترف بها دولياً، عند حدود 535 و538 ريالاً للدولار الواحد، في مؤشر على أن الضربات الأمريكية الأخيرة على مناطق هذه الحكومة والتصعيد المُعلن في البحرالأحمر لم يؤثرا على أسواق الصرف هناك.
وبعكس ذلك تفاقم سوء المشهد المصرفي في عدن وباقي المحافظات، وسط معاناة الاقتصاد من تداعيات تصاعُد الأزمة في أوساط الحكومة نفسها بين العديد من الوزراء ورئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك، ومن جهة أخرى بين المجلس الرئاسي ورئيس الوزراء وفق معلومات بقش.
ويتزامن هذا الانهيار مع تصريحات الحكومة بعجزها عن كبح الأزمة نتيجة لانعدام الموارد لديها بسبب توقف تصدير النفط الذي تعتمد عليه في 65% من الإيرادات، إضافة إلى فشلها في إدارة الجهاز المصرفي، وعدم القدرة على تحسين سعر الصرف رغم إعلانها في وقت سابق عن إغلاق العديد من محال الصرافة التي اتهمتها الحكومة وبنك عدن المركزي بأنها تعمل بدون ترخيص وتجري مضاربات بالعملة وتتسبب في انهيار الصرف.
تراجع الإقبال على المزادات
عقد بنك عدن المركزي، اليوم الخميس، المزاد رقم 8 للعام 2025، لبيع مبلغ 30 مليون دولار، عبر منصة Refintiv الأمريكية، ونجمت عن المزاد عطاءات لم تصل إلى نصف المبلغ المعلَن عنه.
إذ بلغت العطاءات 14 مليوناً و122 ألف دولار، بنسبة تغطية 47% وفق متابعة بقش للمزاد، ما عبّر عن استمرار تراجع إقبال البنوك على المشاركة في عملية المزادات التي لم تتمكن من كبح جماح انهيار أسعار الصرف، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على عقدها.
ومع تزايد الضغوط لدى البنك المركزي بعدن، والذي جدَّد مؤخراً مطالبة الحكومة بمنحه الاستقلالية في أداء مهامه، أعلن المركزي اليوم أيضاً عن فتح مزادين جديدين لأدوات الدين العام المحلي يوم الإثنين 24 مارس.
المزاد الأول لأدوات الدين العام المحلي قصيرة الأجل والمتمثلة بأذونات الخزانة بأجل (سنة واحدة)، والثاني لأدوات الدين العام المحلي طويلة الأجل والمتمثلة بسندات خزينة بأجل (3 سنوات)، وبقيمة مبدئية كلية للمزاد تبلغ 16 مليار ريال يمني قابلة للزيادة عند الحاجة، مضيفاً أن بإمكان المشاركين إرسال أكثر من عطاء بعوائد مختلفة أقصاها 18%، وذلك عبر منصة Refintiv نفسها.
وفي تصريح لـ”بقش”، قال المحلل الاقتصادي “أحمد الحمادي” إن القطاع المصرفي لم يشهد أي نتائج إيجابية لعملية عقد مزادات بيع العملة الأجنبية، نتيجة للقصور في شفافية عقد المزادات من ناحية، ومن ناحية أخرى التراجع الكبير الذي تشهده المزادات من جانب البنوك مؤخراً.
ووصف الحمادي عقد المزادات بأنه أقرب إلى النفخ في قربة مقطوعة، باعتبار أن العملة المحلية تشهد مزيداً من الانحدار نحو الأسوأ، دون أن يكون للحكومة دور حقيقي في إنقاذ ما يمكن إنقاذه حد تعبيره، إضافةً إلى “تجاهُل الدول الداعمة، السعودية و الإمارات، تقديم وديعة ودعماً مالياً رغم تكرار طلبات الحكومة”.
ولفت الحمادي إلى أن الدعم الأخير المقدَّم في ديسمبر 2024، والمتمثل في 300 مليون دولار كوديعة و200 مليون دولار كدعم للتشغيل وصرف الرواتب، لا يفي بأي غرض أمام هذه الأزمة، ويوضح: “مبلغ الوديعة لا يمكن للحكومة التصرف به دون أخذ الإذن المسبق من المملكة العربية السعودية، ومبلغ 200 مليون دولار المقدَّم كدعم لصرف الرواتب كان يعبّر منذ البداية عن إفلاس الحكومة وعجزها حتى عن صرف الرواتب ولجوئها إلى المانحين في سابقةٍ بالنسبة لحكومة”.
وأشار الحمادي إلى أن الصراعات الأخيرة في أوساط الحكومة، والتي تتمثل في المطالبة بإقالة أحمد بن مبارك وتعيين رئيس وزراء بديل له، زاد من تعقيدات المشهد الاقتصادي وسط الاضطراب السياسي.
ويُشار إلى أن بن مبارك عقد يوم أمس الأربعاء اجتماعاً مع قيادة بنك عدن المركزي ووزارتي المالية والنفط لمباحثة الأوضاع المالية والاقتصادية والنقدية والخدمية المتردية، ووفق اطلاع بقش أقرّ هذا الاجتماع بأنّ عدم السيطرة على أسعار الصرف أدّى إلى انعكاسات خطيرة على معيشة وحياة المواطنين.
بنك عدن المركزي متهم بالفساد
من جهته أشار الصحفي والخبير الاقتصادي “رشيد الحداد”، في حديث لـ”بقش”، إلى أن الفساد يسيطر على بنك عدن المركزي، وأنه يقوم بعمليات تندرج في إطار غسيل الأموال، وكذلك المضاربة في سعر صرف العملة، والتعامل بأسعار السوق نفسها، بينما يُفترض أن يحافظ مركزي عدن على سقف محدد لسعر الصرف.
ولفت الحداد إلى أنه سبق للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بعدن، أن أكد على فساد بنك عدن المركزي دون أن يتم نشر التفاصيل.
وكان بنك عدن المركزي، أقرّ مؤخراً موازنة البنك للعام المالي 2025 بعد إدخال تعديلات عليها، دون توضيح حجمها، مشيراً إلى أن شركة المراجعة الدولية PKF أنهت مراجعة البيانات المالية للبنك للأعوام 2021-2023 دون الإفصاح عن النتائج.
وكانت نقابة الصرافين الجنوبيين قالت في بيان أخير حصل بقش على نسخة منه، إن انهيار الصرف في مناطق حكومة عدن، أصبح حدثاً متكرراً يؤثر على استقرار السوق المصرفي، وأكدت أن “العامل النفسي يلعب دوراً كبيراً في هذا الانهيار، حيث تؤدي أي اضطرابات في الشرق الأوسط أو صنعاء أو أي اختلاف سياسي” إلى ارتفاع أسعار الصرف في مناطق حكومة عدن.
وطالبت النقابة المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة والبنك المركزي بإيجاد حلول صحيحة وفعّالة للسيطرة على السوق المصرفي، بدلاً من “الحلول الترقيعية”، محذّرة من أن التدهور وصل إلى “مستوى كارثي”.