تقارير
أخر الأخبار

للعام الثامن على التوالي.. “البنتاغون” الأمريكي يخفق في التدقيق المالي السنوي

تقارير | بقش

للعام الثامن على التوالي، يعود اسم وزارة الحرب الأمريكية “البنتاغون” إلى واجهة الجدل السياسي والمالي في الولايات المتحدة، نتيجة فشل متكرر في اجتياز التدقيق المالي السنوي، في مؤشر صارخ على عمق أزمة الحوكمة والمساءلة داخل أكبر مؤسسة حكومية إنفاقاً في العالم.

ففي إعلان صدر الجمعة 20 ديسمبر، أقرت وزارة الحرب الأمريكية رسمياً بفشلها مجدداً في اجتياز التدقيق المالي السنوي وفق اطلاع “بقش”، وهو تدقيق مستقل مطلوب قانونياً، يُفترض به التأكد من دقة وسلامة البيانات المالية والأنظمة المحاسبية للوزارة.

وهذا الإخفاق، الذي بدأ منذ أول تدقيق أُجري عام 2018، أصبح نمطاً مزمناً يعكس خللاً بنيوياً في إدارة الموارد داخل البيروقراطية الدفاعية الأمريكية الهائلة.

وتكشف أرقام البنتاغون وحدها حجم التعقيد الذي يواجهه أي تدقيق مالي جاد، إذ تبلغ قيمة أصول وزارة الحرب الأمريكية نحو 4.65 تريليونات دولار، مقابل التزامات مالية تصل إلى 4.73 تريليونات دولار، وهي أصول والتزامات غير مركزية، موزعة على جميع الولايات الأمريكية الخمسين، إضافة إلى آلاف المواقع والمنشآت العسكرية حول العالم.

هذا الانتشار الجغرافي والهيكلي الضخم، وإن كان يعكس طبيعة الدور العسكري العالمي للولايات المتحدة، فإنه في الوقت ذاته يُنتج بيئة مالية شديدة التعقيد، تعاني من ضعف في توحيد الأنظمة المحاسبية، وتداخل الصلاحيات، وصعوبة تتبع الإنفاق بدقة، وهو ما ظهر بوضوح في نتائج التدقيق الأخيرة.

26 نقطة ضعف جوهرية

أخطر ما ورد في نتائج التدقيق ليس مجرد الفشل العام، بل ما كشفه مدققو الحسابات من 26 نقطة ضعف جوهرية، إضافةً إلى قصورين كبيرين في الضوابط الداخلية الخاصة بالتقارير المالية للسنة المالية 2025 حسب قراءة بقش.

ويُعد الضعف الجوهري أعلى درجات الخلل الرقابي، إذ يشير إلى فشل شديد في أنظمة الضبط الداخلي قد يؤدي إلى تحريف جوهري في البيانات المالية، ما يعني أن الأرقام التي تُقدَّم للكونغرس والرأي العام قد لا تعكس بدقة الوضع المالي الحقيقي للوزارة. وبالمقارنة، يُعتبر القصور الكبير أقل خطورة، لكنه يظل مؤشراً على خلل مؤسسي يحتاج إلى معالجة عاجلة.

ولم يعد فشل البنتاغون في التدقيق المالي شأناً تقنياً محصوراً في دوائر المحاسبة، بل تحوّل إلى قضية سياسية بامتياز، أثارت انتقادات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء، وبرزت كإحدى القضايا المطروحة في سياق الحملة الانتخابية الأمريكية، حيث يُستخدم الملف المالي لوزارة الدفاع دليلاً على تضخم الدولة العميقة وضعف الرقابة على الإنفاق العام.

وفي هذا السياق، حاول وزير الدفاع بيت هيجسيث تقديم تفسير سياسي-تاريخي للأزمة، قائلاً وفق اطلاع بقش على بيان متزامن مع إعلان نتائج التدقيق، إن الوزارة “لا يمكنها حل تداعيات عقود من الحرب، وإهمال قاعدة الصناعة الدفاعية الأمريكية، وارتفاع الدين الوطني من خلال الإنفاق غير الخاضع للرقابة”.

وربط تصريح هيجسيث الأزمة الحالية بإرث طويل من الحروب الخارجية، والإنفاق العسكري المتسارع، وتراجع الاستثمار المنظم في البنية الصناعية الدفاعية، ما جعل الإصلاح المالي مسألة معقدة تتجاوز مجرد تصحيح حسابات.

والمفارقة أن هذا الفشل المتكرر يأتي في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة ضخ أموال غير مسبوقة في القطاع الدفاعي.

فقد وقّع ترامب يوم الخميس الماضي، مشروع قانون السياسة الدفاعية السنوي بقيمة تقارب 901 مليار دولار، وهو رقم يعكس استمرار أولوية الإنفاق العسكري في الموازنة الفيدرالية.

ويتضمن القانون زيادة بنسبة 3.8% في رواتب أفراد الخدمة العسكرية، إضافة إلى إصلاحات في آليات شراء وزارة الدفاع للأسلحة، في محاولة لمعالجة بعض أوجه القصور في كفاءة الإنفاق.

وحظي المشروع بتأييد واسع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في تصويت كاسح يعكس إجماعاً سياسياً نادراً حول أهمية دعم المؤسسة العسكرية، رغم الخلافات الحادة حول كيفية إدارة أموالها.

ويبقى الإنفاق الدفاعي الأمريكي هو الأكبر عالمياً بلا منازع، إذ يشكل عادة الجزء الأكبر من الإنفاق التقديري في الموازنة الفيدرالية. ويُستخدم هذا التمويل في مجالات واسعة، تبدأ من رواتب الجنود والرعاية الصحية للمحاربين، ولا تنتهي عند شراء وتطوير أنظمة تسليح متقدمة ذات كلفة عالية.

غير أن استمرار الفشل في التدقيق المالي يضع هذا الإنفاق الضخم تحت مجهر الشك، ويثير تساؤلات حول مدى كفاءته، وجدواه، وقدرة الدولة الأمريكية على فرض رقابة حقيقية على مؤسسة تُعد الأقوى عسكرياً، لكنها تبدو عاجزة مالياً عن تنظيم دفاترها.

زر الذهاب إلى الأعلى