زيارة المبعوث الأممي إلى عدن: جهود سياسية تصطدم بواقع الانقسام النقدي والانهيار الاقتصادي

الاقتصاد اليمني | بقش
اختتم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، زيارة إلى مدينة عدن، جرت في سياق تدهور حاد للمؤشرات الاقتصادية الكلية وتصاعد أزمة المعيشة، ورغم أن محادثات المبعوث الأممي مع رئيس الوزراء، سالم بن بريك، وممثلين عن المجتمع المدني، ركزت على ضرورة دفع المسار السياسي وخفض التصعيد، إلا أن أي تقدم محتمل يصطدم بالواقع المعقد للاقتصاد اليمني، الذي يعاني من انقسام هيكلي عميق منذ عام 2016.
وقد تركزت مناقشات غروندبرغ على أولويات محددة تهدف إلى التخفيف من حدة الانهيار الاقتصادي، على رأسها تمكين حكومة عدن من استئناف صادرات النفط والغاز، وفتح المزيد من الطرق لتسهيل حركة التجارة وتنقل الأفراد، مشيداً بالتقدم المحرز في فتح طريق الضالع.
كما دعا إلى تشكيل وفد تفاوضي حكومي مشترك وشامل، والتخلي عما وصفه بـ “عقلية الحرب”، والانتقال باليمن من حالة “اللاحرب واللاسلم” إلى تسوية مستدامة.
لكن هذه المساعي الدبلوماسية تأتي في وقت يشهد فيه الوضع الاقتصادي في عدن والمناطق الأخرى تدهوراً متسارعاً، حيث تشير البيانات إلى استمرار انخفاض قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، مما يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين ويفاقم من أزمة الأمن الغذائي، في ظل اعتماد البلاد على استيراد معظم احتياجاتها الأساسية.
أسعار الصرف اليوم في عدن، وفقاً للبيانات اليومية التي يجمعها ويوثقها مرصد بقش، بلغت 2731 ريالاً مقابل الدولار الواحد، و716 ريالاً مقابل الريال السعودي الواحد. ويعود جزء كبير من هذا الانهيار الممنهج إلى قرار نقل عمليات البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في سبتمبر 2016.
لقد أدت هذه الخطوة إلى شرخ عميق في النظام المالي والنقدي للبلاد، ونتج عنها وجود سلطتين نقديتين متنافستين، لكل منهما سياساتها الخاصة فيما يتعلق بسعر الصرف، وإدارة الدين العام، وطباعة العملة، هذا الانقسام حال دون وجود سياسة نقدية موحدة قادرة على كبح التضخم أو تحقيق استقرار في سعر الصرف، بل فاقم من المضاربة ودفع بالعملة إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور.
إن التحدي الذي يواجه جهود السلام حالياً هو أن المطالب الاقتصادية، مثل دفع الرواتب وتوفير الخدمات، مرتبطة بشكل مباشر بهذا الانقسام النقدي، فبينما شدد غروندبرغ على أهمية بناء الثقة، أشار في الوقت ذاته إلى أن قضايا مثل احتجاز موظفي الأمم المتحدة تقوض هذه الجهود بشكل مباشر.
خلاصة القول، إن زيارة المبعوث الأممي تبرز فجوة متزايدة بين المسار السياسي والواقع الاقتصادي، ففي حين أن المبادرات السياسية كفتح الطرق وتشكيل الوفود التفاوضية تعد ضرورية، إلا أن فعاليتها تبقى محدودة ما لم يتم تحقيق تقدم موازٍ في معالجة التشوهات الهيكلية للاقتصاد اليمني، وفي مقدمتها إنهاء الانقسام في السياسة النقدية. وبدون حلول تقنية وسياسية لهذا الملف، سيبقى أي اتفاق سلام مستقبلي هشاً، وعرضة للانهيار تحت ضغط الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.