نيويورك تايمز: حرب اليمن ليست سوى “ورطة استراتيجية” تستنزف قدرات الردع المخصصة لمواجهة الصين

في تحول يثير المخاوف بشأن توازن القوى العالمي، كشفت تقارير استخباراتية وتسريبات لمسؤولين في الكونغرس الأمريكي عن معضلة استراتيجية حادة تواجه الولايات المتحدة. فالحملة العسكرية المكثفة التي تقودها واشنطن ضد الحوثيين في اليمن، والتي تبدو وكأنها “حرب صغيرة” في نظر البعض، تستنزف بشكل خطير مخزونات الأسلحة الدقيقة بعيدة المدى التي تعتبر حيوية لردع أي تحرك عدواني محتمل من قبل الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
تأتي هذه التقارير في وقت يشهد فيه سباق تسلح محموم بين الولايات المتحدة والصين، حيث تعمل بكين على تعزيز قدراتها العسكرية، بما في ذلك ترسانتها النووية، بوتيرة متسارعة، وفقاً لاطلاع بقش على صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وقد أعرب العديد من مستشاري الرئيس الأمريكي ترامب، بمن فيهم وزير الدفاع بيت هيغسيث ووكيل وزارة الدفاع للسياسات إلبريدج كولبي، عن قلقهم بشأن ضرورة إعطاء الأولوية لتعزيز القوات الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة هذا التحدي المتنامي. إلا أن الانخراط العميق في عمليات عسكرية في الشرق الأوسط، وتحديداً في اليمن، يهدد بتقويض هذه الجهود.
استنزاف الذخائر الحيوية وتأثيرات جانبية على الجاهزية القتالية
تشير التقديرات -وفقاً لنيويورك تايمز- إلى أن البنتاغون استهلك ذخائر تقدر قيمتها بنحو 200 مليون دولار خلال الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من حملة القصف على اليمن.
وعند أخذ النفقات التشغيلية وتكاليف نشر حاملات الطائرات والقاذفات وأنظمة الدفاع الجوي في الاعتبار، فإن التكلفة الإجمالية تتجاوز المليار دولار. هذا الاستنزاف الكبير للذخائر الدقيقة بعيدة المدى، والتي تعتبر أساسية لمواجهة أي هجوم جوي أو بحري صيني محتمل في بحر الصين الجنوبي والشرقي والمحيط الهادئ، يثير مخاوف جدية بشأن قدرة الولايات المتحدة على الردع الفعال في هذه المنطقة الحيوية.
إعادة انتشار الأصول العسكرية وتأثيرها على توازن القوى في آسيا
لم يقتصر التأثير على استهلاك الذخائر فحسب، بل امتد ليشمل إعادة انتشار الأصول العسكرية الأمريكية. فقد تم سحب حاملة الطائرات “كارل فينسون” وسفن مرافقتها من المحيط الهادئ لنشرها في الشرق الأوسط.
هذا التحرك، بالإضافة إلى نشر سفن حربية وطائرات إضافية في المنطقة بعد بدء الحرب الإسرائيلية على غزة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، يضع ضغطاً هائلاً على وتيرة تشغيل المعدات والأفراد، ويجعل حتى صيانة المعدات الأساسية أمراً بالغ الصعوبة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين في الكونغرس قولهم إن قادة البنتاغون أبلغوا حلفاءهم والمشرعين في إحاطات مغلقة بأن الجيش الأمريكي لم يحقق سوى نجاح محدود في تدمير ترسانة الحوثيين من الصواريخ والطائرات المسيرة وقاذفات الصواريخ.
وقد صرح مسؤول كبير في وزارة الدفاع لمساعدي الكونغرس بأن البحرية وقيادة المحيطين الهندي والهادي “قلقلتان للغاية” بشأن سرعة نفاد الذخائر في اليمن، محذراً وفق قراءة بقش من أنّ البنتاغون “يخاطر الآن بمشاكل عملياتية حقيقية” في حال نشوب أي صراع في آسيا.
محاولات لتعزيز التحالفات في آسيا لمواجهة التحدي الصيني
في المقابل، سعت الولايات المتحدة، تحت قيادة الرئيس السابق جو بايدن، إلى تعزيز العلاقات العسكرية ومبيعات الأسلحة مع حلفائها في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وأستراليا، في محاولة لردع الصين عن أي عمل عسكري عدواني، خاصة ضد تايوان.
ومع ذلك، فإن استنزاف الموارد والتركيز على الشرق الأوسط قد يقوض من فعالية هذه الاستراتيجية، ويفتح الباب أمام تساؤلات حول قدرة واشنطن على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلفائها في مواجهة أي طارئ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
المعضلة التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم تجسد التحدي المتمثل في موازنة الأولويات الأمنية المتعددة في عالم مضطرب.
فبينما تشتعل نيران الصراعات في الشرق الأوسط وتستنزف الموارد الحيوية، يظل التحدي الصيني المتصاعد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ يلوح في الأفق، مما يضع صانعي القرار الأمريكيين أمام خيارات صعبة قد تحدد مستقبل توازن القوى العالمي.