ضربة إيرانية تهز قلب المال الإسرائيلي: تصعيد يكشف هشاشة الاقتصاد وتكلفة الحرب تتصاعد

تقارير | بقش
في سابقة نوعية تُسجّل ضمن أكثر حلقات التصعيد حساسية منذ اندلاع المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وإيران، استهدفت طهران فجر اليوم الخميس المبنى الرئيسي لبورصة تل أبيب في رمات غان بصاروخ باليستي، ضمن هجوم وُصف بأنه يحمل طابعاً استراتيجياً اقتصادياً بامتياز.
هذا التطور الخطير يأتي في إطار رد مباشر على هجوم سيبراني إسرائيلي سابق طال منصة “نوبیتكس”، وهي أكبر بورصة للعملات الرقمية في إيران، وتسبب في سرقة نحو 81.7 مليون دولار على مرحلتين وفقاً لاطلاع بقش على موقع “كوين تيليغراف” .
الهجوم الإيراني، الذي لم يسفر عن توقف التداولات بشكل مباشر، استهدف رمزاً أساسياً للنظام المالي الإسرائيلي، وعلى الرغم من الأضرار المادية المؤكدة، أظهرت مؤشرات البورصة ارتفاعات طفيفة في جلسة الخميس، إذ صعد مؤشر TA‑125 بنسبة 0.5% ليسجل 2,574.89 نقطة، وارتفع مؤشر TA‑35 إلى 2,810.85، فيما حافظ مؤشر Tel-Bond Composite على استقراره النسبي.
السلطات تخفي الحقيقة، والأرقام تثير ريبة وقلق الأسواق
هذه الأرقام، رغم وقعها الإيجابي على السطح، لا تعكس الصورة الكاملة، بل تشير إلى تدخل مؤسسي متعمد من قبل البنك المركزي الإسرائيلي وصناديق التقاعد لتثبيت المعنويات، وخلق انطباع مصطنع بأن السوق لم يتأثر بالهجوم.
ورغم الأداء الظاهري المتماسك، فإن معطيات السوق خلف الكواليس تكشف عن خسائر فادحة وتضليل ممنهج، فقد امتنعت عشرات الشركات الإسرائيلية الكبرى عن الإفصاح عن الأضرار التشغيلية التي لحقت بها، بحسب ما كشفته صحيفة “كالكاليست” العبرية.
شركات عملاقة تعمل في مجالات التجزئة والعقارات والطاقة مثل ميليسرون، أزريلي، بيج، فوكس، كاسترو، جولف، ودور ألون، علّقت أنشطتها بشكل جزئي أو كلي، لكنها وفق متابعات بقش لم تُصدر أي بلاغ رسمي إلى المستثمرين أو إلى هيئة الأوراق المالية.
وحتى مصافي “بازان” التي تضررت جزئياً جراء الضربات، لم تُفصح عن تبعات ذلك على عمليات التكرير أو إمدادات الوقود للمرافق الحيوية، وغياب الشفافية في هذه اللحظة الحرجة يضع السوق الإسرائيلية أمام اختبار حقيقي للمصداقية، في وقت يتجاهل فيه المنظمون الماليون موجات الصمت، مكتفين بتوجيه “تذكيرات” للشركات بدلاً من فرض إجراءات إلزامية.
الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية تتسارع
استهداف بورصة تل أبيب ليس ضربة رمزية فحسب، بل يعكس نقلة في قواعد الاشتباك، حيث لم تعد المراكز الاقتصادية الإسرائيلية في منأى عن الاستهداف المباشر، وهذا التحول، بحسب خبراء في مركز “I-BI” ومكتب “مئير أوغن للاستشارات”، يضع الاقتصاد الإسرائيلي أمام خطر فقدان الثقة المؤسسية والسوقية إذا ما تكررت مثل هذه الهجمات أو طالت شبكات أعمق مثل أنظمة الدفع، البنوك، أو البنية الرقمية للنظام المالي.
وتكشف متابعات مرصد بقش أن التكلفة الاقتصادية للحرب على إسرائيل باتت تتضخم بوتيرة سريعة منذ الأسبوع الأول، فخسائر الاقتصاد الإسرائيلي تجاوزت 4.5 مليارات دولار خلال سبعة أيام فقط، مع تسجيل تراجع حاد في عدة قطاعات محورية.
القطاع التكنولوجي، الذي يُعتبر العمود الفقري للاقتصاد الإسرائيلي الحديث، تعرض لشلل جزئي بعد موجة هجمات إلكترونية إيرانية مضادة استهدفت شركات حيوية، وقطاع الطاقة تلقى ضربة موجعة بعد تعطل جزئي لمصافي “بازان” ما أثّر على إمدادات الوقود.
أما في قطاع الطيران، فقد تم إلغاء عشرات الرحلات وجرى تحويل حركة الملاحة في مطاري بن غوريون ورامون، ما أدى إلى انخفاض نشاط الشحن الجوي بنسبة 35% منذ بداية التصعيد، وشهد القطاع السياحي انهياراً في تدفق الزوار، حيث أُلغيت آلاف الحجوزات وتكبدت الفنادق والمطاعم خسائر يومية قدرت بنحو 28 مليون دولار، وفق ما أوردته وزارة السياحة الإسرائيلية.
كذلك توقفت أعمال تطوير وبناء في مواقع عديدة، وسط تقديرات بتجميد مشاريع تزيد قيمتها عن 1.2 مليار دولار في الشمال والجنوب.
في المقابل، بدت طهران أقل تضرراً من الناحية الاقتصادية رغم اختراق منصتها الرقمية “نوبيتكس”، ففي بيئة تعاني من حصار مالي دولي، لعبت العملات المشفرة دوراً مهماً في إدارة التدفقات النقدية الإيرانية، مما يجعل هذا الهجوم الإسرائيلي مؤلماً لكنه غير كارثي.
البنك المركزي الإيراني تدخل سريعاً عبر تقييد بعض عمليات التحويل الإلكترونية وضبط سوق العملة، ما ساعد الريال الإيراني على الثبات النسبي عند حدود 605 آلاف ريال مقابل الدولار، بحسب بيانات منصة بونباست التي ترصد سوق العملة الحرة في طهران.
ما يزيد من حساسية الضربات الأخيرة، أن هيئة التصنيف العالمية “موديز” وضعت إسرائيل تحت المراقبة لاحتمال خفض تصنيفها الائتماني إذا استمرت المواجهات المفتوحة أكثر من ثلاثة أسابيع، وهذا التهديد، الذي تراه الحكومة الإسرائيلية محتملاً، دفع وزارة المالية إلى إعداد خطة طوارئ لدعم القطاعات المتضررة تتضمن حزمة إنقاذ تصل إلى 100 مليار شيكل (نحو 27 مليار دولار)، على غرار ما طُبّق خلال أزمة جائحة كورونا.
استهداف المركز المالي الإسرائيلي يثير جدلاً عميقاً حول طبيعة المناعة الاقتصادية في إسرائيل، التي لطالما روّجت لقدرتها على تجاوز الصدمات الكبرى كما حدث بعد أزمة 2008 وهجمات 2014، غير أن طبيعة هذه الضربة، التي ربطت بين الهجوم السيبراني والهجوم الصاروخي، تكشف عن هشاشة حقيقية في البنية الاقتصادية حال تحوّل هذه الضربات إلى نمط دائم أو امتدت إلى بنى تحتية مثل الكهرباء، الأنظمة المصرفية أو شبكات الاتصالات.
في الجوهر، تبدو محاولة الحفاظ على صورة “الاقتصاد الذي لا يُقهر” أقرب إلى تمرين نفسي جماعي منه إلى واقع فعلي، إذ لم تعد صناديق التقاعد ولا السيولة المؤسسية كافية لعزل الأسواق عن الصدمات الجيوسياسية الحادة.
وبينما تحاول إسرائيل استعادة زمام المبادرة من خلال الردود العسكرية أو الحرب السيبرانية، فإن الهشاشة التي ظهرت في منظومتها الاقتصادية خلال أيام قليلة فقط، تطرح سؤالاً مركزياً عن مدى استعداد تل أبيب لخوض حرب طويلة لا تقتصر ساحاتها على الجبهات الميدانية، بل تمتد إلى العمق المالي والرقمي الذي يشكل شريان حياتها الاقتصادية الحقيقي.