منح وقروض بمئات ملايين الدولارات.. الصين تعزز حضورها الدولي عبر شنغهاي للتعاون

الاقتصاد الدولي | بقش
أعلنت الصين عن رزمة مالية جديدة تستهدف تعزيز دور منظمة شنغهاي للتعاون، وذلك عبر تقديم منح مباشرة بقيمة 275 مليون دولار هذا العام، إضافة إلى قروض مشتركة بقيمة 10 مليارات يوان على مدى السنوات الثلاث المقبلة، في خطوة تؤكد سعي بكين إلى ترسيخ حضورها الاقتصادي والسياسي في محيطها الإقليمي.
الرئيس الصيني تشي جينبينغ، الذي تحدث أمام قادة الدول الأعضاء خلال القمة المنعقدة في مدينة تيانجين الساحلية، شدد على أن الصين ملتزمة بتوسيع قاعدة التعاون داخل المنظمة وفق اطلاع بقش، داعياً إلى استثمار قدرات كل دولة بما يضمن “السلام والاستقرار والازدهار”.
وأكد تشي أن بكين لن تكتفي بالدعم المالي فقط، بل ستطلق أيضاً 100 مشروع صغير لتحسين سبل العيش في دول الأعضاء، إلى جانب مضاعفة المنح الدراسية للطلاب ضمن برامج المنظمة.
ورغم تجنب الإشارة إلى الولايات المتحدة بالاسم، فقد دعا تشي إلى مواجهة ما وصفه بـ”عقلية الحرب الباردة” وممارسات التنمر الدولي، في تلميح إلى السياسات الأمريكية التي تعرقل تدفقات التجارة العالمية عبر الرسوم الجمركية والحروب الاقتصادية.
توقيت هذه الرسائل يأتي متزامناً مع تصاعد التوترات الدولية، سواء بفعل النزاعات الإقليمية أو بسبب القيود التجارية المفروضة من إدارة الرئيس الأمربكي دونالد ترامب.
لقاءات ثنائية مؤثرة
القمة لم تقتصر على رسائل الصين السياسية، بل شهدت أيضاً لقاءً ثنائياً لافتاً بين تشي ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في أول زيارة للأخير إلى الصين منذ سبع سنوات. اللقاء حسب قراءة بقش أفضى إلى اتفاق على إعادة بناء العلاقات الثنائية واستئناف الرحلات الجوية المباشرة، في ظل معاناة الطرفين من الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة.
كما شكلت القمة فرصة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتشاور مع نظيريه الصيني والهندي، خصوصاً بعد لقائه الأخير مع ترامب في ألاسكا وما يحمله من احتمالات لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
منذ تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون عام 2001 على يد الصين وروسيا وأربع دول من آسيا الوسطى، تضاعف عدد الأعضاء تقريباً، حيث انضمت إليها الهند وباكستان لاحقاً، فيما حصلت دول أخرى على صفة مراقب أو شريك حوار مثل منغوليا والسعودية. ومع اتساع الدائرة إلى نحو 26 دولة، تبرز المنظمة اليوم كإطار إقليمي متنامٍ تسعى دول مثل تركيا وميانمار للحصول على عضوية كاملة فيه.
الصين وتغيير موازين الحكم العالمي
يتفق محللون على أن مبادرات الصين المالية والدبلوماسية ليست مجرد مساعدات، بل هي جزء من استراتيجية أشمل تهدف إلى إعادة صياغة النظام الدولي ليكون أقل خضوعاً للهيمنة الغربية وأكثر تعددية في مراكز القوة.
وتعتبر بكين منظمة شنغهاي للتعاون إحدى الأدوات الأساسية في هذا التحول، بجانب مبادرات أخرى مثل “الحزام والطريق” التي توسع نطاق النفوذ الاقتصادي الصيني في آسيا وأفريقيا وأوروبا.
من خلال ضخ التمويل وتوسيع الشراكات، تسعى الصين إلى إرساء نموذج جديد للتعاون الدولي يقوم على التنمية المشتركة بدلاً من المنافسة الصفرية. وترى بكين أن العالم لم يعد يحتمل الأحادية القطبية التي فرضتها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة، وأن الوقت قد حان لبناء نظام عالمي “أكثر عدلاً وتوازناً”، وفق توصيف المسؤولين الصينيين.
ورغم الطابع الاقتصادي الظاهر للمنح والقروض، إلا أن الهدف الأعمق يتمثل في ترسيخ مكانة الصين كلاعب سياسي عالمي قادر على صياغة أجندة الأمن والاستقرار في محيطها وما وراءه. فمع اتساع العضوية في منظمة شنغهاي، وتنامي التعاون العسكري والاقتصادي بين أعضائها، تزداد قدرة الصين على تحدي المؤسسات التقليدية التي يهيمن عليها الغرب مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحلف الناتو، ما يعزز رؤيتها لنظام عالمي بديل متعدد الأقطاب.
إعلان الصين الأخير لا يُقرأ فقط كالتزام مالي تجاه شركائها، بل كرسالة استراتيجية تعكس طموح بكين إلى إعادة تشكيل التوازنات الدولية عبر مؤسسات إقليمية قوية، في وقت يبدو فيه الاقتصاد العالمي غارقاً في تداعيات الحروب التجارية والنزاعات الجيوسياسية.