خلاف ترامب والاحتياطي الفيدرالي.. تهديد يتجاوز واشنطن ليصيب البنوك المركزية العالمية

الاقتصاد العالمي | بقش
تشهد الأوساط الاقتصادية الدولية قلقاً متزايداً من التداعيات المحتملة للصراع المتصاعد بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، في وقت يحاول فيه البنك المركزي الأقوى في العالم الدفاع عن استقلاليته في مواجهة ضغوط سياسية مباشرة.
فخلال الاجتماعات السنوية لمحافظي البنوك المركزية التي تابعها بقش في جاكسون هول بولاية وايومنغ، حذّر عدد من المسؤولين من أن نجاح ترامب في إعادة تشكيل الفيدرالي أو إقصاء بعض أعضائه – وعلى رأسهم جيروم باول – قد يفتح الباب أمام “سابقة خطيرة” تشجع حكومات أخرى على التدخل في السياسة النقدية، بما يهدد استقرار الأسواق العالمية.
ترامب لم يُخفِ انزعاجه من استقلالية الفيدرالي، بل صعّد هجماته العلنية على باول، مطالباً إياه بالاستقالة، كما بدأ تحركات لإقالة العضو ليسا كوك. ويعتبر ترامب أن الفترات الطويلة لعضوية مجلس المحافظين تمثل “حماية غير مبررة” تحول دون فرض رؤيته بخفض أسعار الفائدة سريعاً.
هذا الضغط أثار مخاوف بأن يخضع الفيدرالي للسياسة، وهو ما من شأنه أن يقوّض مكانة سندات الخزانة الأمريكية – العمود الفقري للنظام المالي العالمي – ويدفع المستثمرين للمطالبة بعوائد أعلى، بما يزيد كلفة الاقتراض على واشنطن ويفتح الباب أمام اضطرابات مالية واسعة.
ارتدادات عالمية محتملة
المخاوف لم تقتصر على الولايات المتحدة. أولي رين، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، أكد أن أي إضعاف لاستقلالية الفيدرالي ستكون له “تداعيات روحية ومؤسساتية” على بقية العالم، مشيراً إلى أن استقلالية البنوك المركزية الأوروبية نفسها تتعرض بين الحين والآخر لضغوط من حكومات يمينية ويسارية.
أما يواخيم ناجل، محافظ البنك المركزي الألماني، فشدد على أن استقلالية السياسة النقدية شرط لا غنى عنه لاستقرار الأسعار، محذراً وفق اطلاع بقش من أن تسييس عمل البنوك قد يعيد العالم إلى دوامة التضخم المرتفع كما حدث قبل عقود.
القلق ذاته يسود في اليابان، حيث استُحضرت تجربة رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي حين فرض محافظاً جديداً على بنك اليابان عام 2013، وفتح الباب لسياسات نقدية غير تقليدية جعلت البنك الدائن الرئيسي للحكومة.
حتى الآن، لم تُظهر الأسواق الأمريكية قلقاً كبيراً، إذ تواصل الأسهم تحقيق مكاسب قوية، فيما استقرت عوائد السندات نسبياً. لكن خبراء مثل موري أوبستفيلد، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، حذروا من أن ما يحدث في الولايات المتحدة قد يُغري أنظمة أخرى، خصوصاً ذات النزعة الشعبوية، إلى تقييد استقلالية بنوكها المركزية.
وقال أوبستفيلد: “إذا كان الفيدرالي نفسه عرضة للتدخل السياسي، فستكون البنوك المركزية في الدول الأخرى أهدافاً أسهل بكثير”.
ترامب، الذي يترقب انتهاء ولاية باول في مايو المقبل، بدأ بالفعل عملية البحث عن خليفة أكثر انسجاماً مع سياساته حسب متابعات بقش. وفي حال تمكن من تسمية أغلبية في مجلس المحافظين، فإن الفيدرالي قد يتحول من مؤسسة مستقلة تقودها المعايير الاقتصادية إلى أداة سياسية قصيرة الأمد.
هذا السيناريو، وفق خبراء أوروبيين، سيكون ضربة للنظام المالي العالمي بأكمله، إذ تستند معظم البنوك المركزية منذ أربعة عقود إلى نموذج الفيدرالي في بناء استقلاليتها وإرساء مصداقيتها. وإذا تلاشى هذا النموذج في واشنطن، فلن يكون من السهل الدفاع عنه في برلين أو طوكيو أو باريس.