
تقارير | بقش
في تراجُعٍ إسرائيلي عن الموقف الصارم تجاه صفقة الغاز الأكبر في تاريخ الاحتلال، يقترب وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين من إعلان التصديق على اتفاق الغاز مع مصر قريباً، البالغة قيمته 35 مليار دولار، والذي يمتد من 2026 إلى 2040.
وتأتي الموافقة على الصفقة وسط ضغوط أمريكية مكثفة، تدعمها شركات الطاقة الكبرى، لدفع إسرائيل نحو تصديق رسمي على الاتفاق، رغم القلق الإسرائيلي الداخلي بشأن أمن الطاقة وأسعار الكهرباء المحلية.
تفاصيل الصفقة والضغوط الأمريكية
حسب التقارير الإسرائيلية التي اطلع عليها مرصد “بقش”، سيقوم حقل الغاز الإسرائيلي “ليفاثان”، الذي تديره شركات شيفرون و”نيو مد إنرجي”، بتصدير نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر على مدى 14 عاماً. وفي البداية، ستتراوح التدفقات بين 4.5 و6.5 مليارات متر مكعب سنوياً في المرحلة الأولى.
ورغم توقيع الاتفاقية في أغسطس 2025، جمّد وزير الطاقة الإسرائيلي الصفقة في نوفمبر الماضي، بدعوى حماية مصالح السوق المحلية وأسعار الغاز في إسرائيل، وسط خلافات داخل الحكومة وتهديدات بالتأثير على ميزانية الدولة للكهرباء.
هذا التجميد جاء رغم ضغوط أمريكية مباشرة، خصوصاً من شركة شيفرون، بهدف ضمان استمرار تزويد مصر بالغاز، ومنع القاهرة من اللجوء إلى بدائل أخرى مثل صفقة “هارتري بارتنرز” بقيمة 4 مليارات دولار.
وتشير التقارير إلى أن نحو 70% من إنتاج الكهرباء في إسرائيل يعتمد على الغاز الطبيعي، ما يجعل الحكومة حذرة بشأن أي توسع في التصدير قد يؤدي إلى رفع الأسعار أو تقويض الأمن الطاقي.
وقدمت وزارة المالية ووزارة حماية البيئة توصيات بزيادة الكميات المخصصة للسوق المحلي بدلاً من التصدير، فيما اقترحت خطة تقييد التصدير فرض حد يومي أعلى، إلزام الشركات بتجزئة حصصها، ووقف التصدير عند ارتفاع الأسعار محلياً.
وتُعد “لجنة ديان”، التي يرأسها المدير العام لوزارة الطاقة والبنية التحتية، الجهة الرئيسية لمراجعة سياسة قطاع الغاز وتعزيز أمن الطاقة وفق قراءة بقش. ونشرت اللجنة في مطلع 2025 مسودة توصيات تضمنت زيادة الحصص المحلية، مما أثار خلافات بين وزارة المالية ووزارة الطاقة وفرض معادلة صعبة بين تلبية احتياجات السوق الداخلي وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة مثل مصر والأردن.
تبعات الصفقة
تأتي الصفقة في ظل توتر إقليمي محتمل نتيجة رفض إسرائيل سابقاً للتصدير، ومزاعم حول نشر قوات مصرية في سيناء بعد العدوان على غزة، وهو ما استغلته إسرائيل لتبرير تأجيلها.
رغم ذلك، تحرص تل أبيب على الإعلان عن “اختراق سياسي” يعزز اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي، بهدف تقوية العلاقات الاقتصادية مع القاهرة، مع الحفاظ على المصالح الاقتصادية والأمنية لإسرائيل.
وثمة عدد من السيناريوهات المستقبلية، أبرزها إتمام الصفقة، وفي حال مصادقة إسرائيل على الاتفاق مع ضمانات سعرية للسوق المحلي، فمن المرجح أن يستفيد الاقتصاد المصري من توفير الغاز الطبيعي بأسعار ثابتة، بينما تستمر إسرائيل في تلبية جزء كبير من الطلب المحلي دون المساس بأسعار الكهرباء.
وفي سيناريو آخر، إذا قررت الحكومة الإسرائيلية تقييد التصدير وفقاً لمقترحات وزارة المالية، فقد تواجه الصفقة تأخيرات طويلة، مع احتمال بحث مصر عن بدائل مثل صفقة “هارتري”، مما يقلل من الاعتماد على الغاز الإسرائيلي ويضع العلاقات الاقتصادية في منطقة شرق المتوسط على المحك.
وتوازن الحكومة بين تلبية احتياجات السوق المحلي وتعزيز العلاقات الاقتصادية الخارجية سيظل أحد أكبر التحديات في ميزانية 2026، خصوصاً مع استمرار الاعتماد الكبير على الغاز في إنتاج الكهرباء المحلي.
وتبدو صفقة الغاز الإسرائيلي مع مصر حالةً نموذجية لتقاطع السياسة والطاقة والاقتصاد في الشرق الأوسط، فالضغوط الأمريكية وشركات الطاقة الكبرى تدفع نحو إتمام الصفقة، في حين تعكس المخاوف الداخلية الإسرائيلية التحديات الكبيرة لضمان أمن الطاقة المحلي واستقرار الأسعار.


