
متابعات محلية | بقش
في ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية التي تعصف باليمن، ووسط انهيار غير مسبوق لقيمة العملة المحلية وارتفاع أسعار الوقود، سجّلت أجور النقل البري بين عدد من المدن اليمنية قفزات حادة منذ بداية العام الجاري، لتُضاف إلى قائمة الضغوط المعيشية التي تثقل كاهل المواطن اليمني، لا سيما في المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة عدن.
وبحسب متابعات المرصد الاقتصادي بقش، فإن أسعار تذاكر السفر بين المحافظات الجنوبية والغربية ارتفعت بنسبة تجاوزت 40% منذ يناير وحتى منتصف يونيو 2025، ويأتي هذا الارتفاع انعكاساً مباشراً لزيادة أسعار المشتقات النفطية، وتدهور العملة المحلية، بالإضافة إلى قرب تطبيق القرار المتداول حول رفع سعر الدولار الجمركي في عدن من 750 ريالاً إلى 1500 ريال، في خطوة حكومية ستزيد من أعباء كلفة الاستيراد.
ارتفاع قياسي في أسعار مقاعد السفر البري
في أحد أبرز مؤشرات هذه الأزمة، ارتفع سعر مقعد السفر في سيارات الأجرة بين مدينة عدن والمخا الساحلية من 12 ألف ريال يمني في يناير إلى 18 ألف ريال حتى منتصف يونيو الجاري، وفق ما أفاد به عدد من سائقي الحافلات والمواطنين لـ”مرصد بقش”، وتُعد هذه الزيادة الأعلى منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتزامنت مع بلوغ سعر صفيحة البنزين سعة 20 لتراً بين 32 و35 ألف ريال يمني، مقارنة بـ28 ألف فقط في بداية العام.
أما المسافة بين عدن وتعز، فقد ارتفع فيها سعر المقعد من 14 ألف ريال إلى 18 ألف ريال، بينما وصل سعر السفر من عدن إلى مأرب إلى 50 ألف ريال يمني، بعد أن كان 42 ألف ريال في بداية 2025، وفق البيانات التي يجمعها المرصد الاقتصادي بقش.
اللافت أن الرحلات بين عدن وصنعاء، والتي تخضع لتعاملات نقدية مزدوجة بين الطبعتين القديمة (المتداولة في صنعاء) والجديدة (المتداولة في عدن)، شهدت تبايناً مدهشاً في أسعارها، إذ يبلغ سعر المقعد 18 ألف ريال طبعة قديمة (المستخدمة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء)، ما يعادل 82 ألف ريال بالطبعة الجديدة في الجنوب، وفقاً لأسعار الصرف الحالية.
الريال ينهار بلا قاع… ومعه الاقتصاد
يعكس ارتفاع أجور النقل صورة مصغرة لانهيار الاقتصاد اليمني المتسارع، حيث وصلت قيمة الريال اليمني في عدن إلى 2655 ريالاً للدولار الواحد، وفق أحدث بيانات بقش لأسعار الصرف اليوم الثلاثاء الموافق 17 يونيو 2025، بعدما كان سعر الدولار في بداية العام 2070 ريالاً، في هبوط يفوق 28% خلال أقل من ستة أشهر.
هذا الانهيار يأتي في سياق انقسام نقدي مزمن يعصف بالبلاد منذ قرار نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في عام 2016، وأدى هذا الانقسام إلى خلق نظامين نقديين منفصلين، أحدهما في الشمال يتعامل بطبعة نقدية قديمة وشحيحة، والآخر في الجنوب يعتمد على طبعات جديدة وفائض نقدي ضخم، ما تسبب في فجوة صرف كارثية بين الجانبين.
وقد دفع هذا الانقسام الكثير من الشركات والتجار إلى التعامل بالدولار أو الريال السعودي لتفادي التقلبات الحادة، ما زاد من حدة الدولرة غير الرسمية للاقتصاد، وخصوصاً في عدن، وفاقم الأزمة المعيشية بالنسبة للطبقات الفقيرة التي تعتمد على الريال المنهار في دخلها اليومي.
رفع الدولار الجمركي يفاقم الكارثة
في محاولة لتأمين موارد مالية وسط أزمة السيولة، تداولت تقارير صحفية أنباءً عن موافقة المجلس الرئاسي على توجه الحكومة لرفع سعر الدولار الجمركي من 750 ريالاً إلى 1500 ريال قريباً، وهي خطوة ستضاعف فعلياً من تكلفة استيراد السلع الأساسية وغير الأساسية، ووفق تحليلات بقش، فإن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادات كبيرة في أسعار المواد الغذائية، وقِطع الغيار، والملابس، وأيضاً أسعار النقل، حيث تمر معظم السلع عبر الموانئ الخاضعة للحكومة في عدن والمكلا.
أمام هذا الواقع، لم تعد الأرقام مجرد مؤشرات اقتصادية، بل ترجمة مباشرة لمعاناة ملايين اليمنيين، فوفق التقارير الأممية الحديثة، تجاوزت نسبة السكان تحت خط الفقر 78% في المحافظات الجنوبية، بينما تبلغ نسبة البطالة بين الشباب أكثر من 62%، وتراجعت القدرة الشرائية للريال بنسبة 40% منذ بداية 2023، ما جعل حتى السلع الأساسية كالحليب والزيت والدقيق بعيدة عن متناول الأسر ذات الدخل المحدود، وذلك فضلاً عن أن السلع باتت تُتداول من قِبل التجار بالريال السعودي لا بالريال اليمني بذريعة انهيار قيمة العملة المحلية، مما يضع المواطنين في نفق مظلم لا تُعرف له نهاية حتى الآن.