الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

أحد الآثار اليمنية الأكثر ندرة يُباع في مزاد أمريكي.. ماذا تعرف عن ختم ذهب الإلكتروم التاريخي؟

الاقتصاد المحلي | بقش

في وقتٍ يعيش فيه اليمن واحدة من أسوأ أزماته الاقتصادية والإنسانية، يتواصل نزيف تراثه الحضاري وسط صمت دولي، ومزادات خارجية تتعامل مع آثار منهوبة كسلع تجارية، وأحدث هذه الفصول الكارثية جاء عبر مزاد أمريكي عرض قطعة نادرة غير مسبوقة: ختم أسطواني ثماني الأضلاع من ذهب الإلكتروم من القرن الأول قبل الميلاد، منقوش عليه نص مسندي كامل.

الختم، الذي وُصف بأنه من أندر ما عُرض من آثار اليمن على الإطلاق، يتكوّن من معدن الإلكتروم – وهو مزيج طبيعي من الذهب والفضة – ويحتوي على ثمانية أسطر نقوش مكتوبة بالخط المسندي، بواقع أربعة إلى خمسة أحرف في كل سطر، وتم عرضه للبيع في مزاد بتاريخ 01 مارس 2023 بالولايات المتحدة، بعد أن كان ضمن مقتنيات مجموعة خاصة في نيويورك، حصلت عليه من معرض “فورتونا فاين آرتس” الشهير.

ووفقاً للباحث اليمني في شؤون الآثار عبدالله محسن، فإن هذا الختم النادر قد يشكّل أول دليل موثق على استخدام اليمنيين القدماء لسبائك ذهب الإلكتروم، وهو المعدن ذاته الذي صُنعت منه ميداليات جائزة نوبل العالمية، وقد استُخدم هذا النوع من الذهب في حضارات قديمة لتغطية المسلات وسك العملات الملكية وتزيين رؤوس المومياوات، ما يعزز من قيمة الاكتشاف من منظور أثري وثقافي.

سياق متواصل من النهب والبيع العلني

هذا الكشف الجديد يأتي بعد أسابيع فقط من إعلان دار “أبولو للفنون” في لندن نيتها عرض خمس قطع أثرية يمنية في مزادها المقرر في يوليو 2025، تحت عنوان “مزاد الفنون القديمة الجميلة – مجموعة الأمير” وفق متابعات بقش، وتعود هذه القطع إلى حضارات سبأ ومعين وقتبان، وتتراوح أعمارها ما بين 2100 إلى 4600 عام، ما يجعلها من أندر الموجودات الثقافية في المنطقة.

وقد خرجت معظم هذه القطع من اليمن في ظروف مشبوهة، من خلال سوق الفن البلجيكي والأمريكي، ووصلت إلى مجموعات خاصة دون توثيق قانوني، وتُشير مصادر بقش إلى أن شبكات التهريب تعتمد على الفوضى الأمنية، وتستغل غياب الرقابة الرسمية والغطاء السياسي الذي توفره بعض المؤسسات الفنية الغربية.

تهريب الآثار اليمنية لا يشكّل فقط خسارة هوية ثقافية، بل هو نزيف اقتصادي هائل، إذ قُدّرت قيمة القطع المنهوبة منذ 2015 بما يفوق 2.5 مليار دولار وفق تقديرات “التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع” (ALIPH)، وهذه المبالغ كان يمكن أن تساهم في إنقاذ اقتصاد يتآكل بفعل الحرب والانقسام، لو تم استثمارها في السياحة الثقافية والمتاحف والتعليم.

ويؤكّد مختصون أن الختم الذهبي الأخير يمثل فرصة مهدورة لفهم جوانب غامضة من تاريخ اليمن القديم، خصوصاً في ما يتعلّق باستخدام المعادن، وتطوّر الكتابة، والهوية الدينية والسياسية لحضارات جنوب الجزيرة العربية.

أين هي الدولة؟ وأين هو القانون الدولي؟

تتواصل هذه المزادات دون أي تحرّك فعّال من الحكومة اليمنية أو المنظمات الدولية، وعلى رأسها اليونسكو، رغم أن اتفاقية 1970 التي تُحرّم التجارة غير المشروعة بالآثار ملزمة قانونًا للدول الأطراف. وفي الوقت الذي نجحت فيه دول مثل مصر والعراق وسوريا في استعادة قطع أثرية مسروقة، لا يزال اليمن يعاني من غياب الإرادة الرسمية وضعف الجهود القانونية والإعلامية.

وفي ظل هذه الهشاشة، تتصرف دور المزادات العالمية كأنها فوق القانون، وتستفيد من ثغرات السوق العالمية للآثار، حيث يتم التعامل مع الكنوز الحضارية المنهوبة على أنها “مقتنيات خاصة”، لا أكثر.

الختم الذهبي اليمني ليس مجرد قطعة فنية. إنه شاهد على حضارة ضاربة في عمق التاريخ، يُسلب من سياقه، ويُعرض في صالات المزاد الباردة بعيداً عن موطنه، وبينما تُصنع ميداليات نوبل اليوم من الإلكتروم، يُنهب الختم الذي قدّم أولى استخداماته من أرض اليمن، في مفارقة مريرة تختزل حال أمة تُسرق من حاضرها وتُجرد من ماضيها، فهل آن الأوان لصحوة ثقافية وقانونية توقف هذا النزيف؟ أم أن المستقبل سيحمل لنا فصولاً أكثر إيلاماً من قصة سرقة التاريخ؟

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش