
الاقتصاد العالمي | بقش
في 2025، شهد العالم سلسلة من الاستقالات غير المسبوقة لرؤساء حكومات في عدد من الدول، نتيجة ضغوط اقتصادية وسياسية متراكمة، أفرزتها تحديات اقتصادية عميقة على المستويين الوطني والدولي.
هذه الاستقالات عكست واقعاً اقتصادياً عالمياً متأزماً، يزداد تعقيداً بفعل الأزمات السابقة، وأبرزها جائحة كورونا، وما أعقبها من اختلالات مالية هيكلية، والتوترات الجيوسياسية، والتضخم المتصاعد، وارتفاع الإنفاق العام، خاصة في القطاعات الصحية والدفاعية.
وانعكست هذه الصدمات على الاقتصاد الكلي، حيث ارتفعت مستويات التضخم بشكل حاد، وتراجعت القوة الشرائية للمواطنين، كما شهدت أسواق العمل ضيقاً واضحاً مع فقدان آلاف الوظائف أو انخفاض الأجور الحقيقية.
وأضافت الحرب الروسية الأوكرانية بُعداً جديداً للأزمة، حيث أثرت بشكل مباشر على أسواق الطاقة وسلاسل الإمداد العالمية.
إضافةً إلى ذلك، ساهمت السياسات الجمركية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في زيادة الضغوط على التجارة العالمية وإحداث توترات دولية هائلة، مما زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي أمام الحكومات.
السياسات الحكومية وردود الفعل الشعبية
في مواجهة هذه الضغوط، حاولت العديد من الحكومات تبني سياسات تهدف إلى السيطرة على التضخم وتحقيق التوازن المالي.
وشملت هذه الإجراءات إعادة هيكلة الإنفاق العام، مع تكثيف سياسة التقشف، وتقليص التقديمات الاجتماعية وتحجيم بعض الإعانات الحكومية، وتوسيع قاعدة الضرائب ورفع الرسوم الحكومية.
لكن هذه السياسات اصطدمت بغضب شعبي واسع، خاصة في المجتمعات التي تعاني من انخفاض القوة الشرائية، وارتفاع تكلفة المعيشة، وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
كما أثرت الاعتبارات الانتخابية والحسابات السياسية على قدرة الحكومات على الاستمرار في تطبيق إصلاحات شاملة وعادلة.
موجة استقالات رؤساء الحكومات
خلال عام 2025، استقال ستة رؤساء حكومات على الأقل في دول مختلفة، نتيجة ضغوط اقتصادية وسياسية متشابكة، وهم -حسب المعلومات التي تتبَّعها مرصد بقش- كالآتي:
- كندا – جاستن ترودو (06 يناير 2025):
افتتح ترودو سلسلة الاستقالات بعد احتجاجات شعبية واسعة على السياسات الاقتصادية، وضغوط داخل حزبه على خلفية خلافات سياسية ومالية. وقد سبقت استقالته تعديلات وزارية واسعة، تضمنت استقالة وزيرة المالية السابقة كريستيا فريلاند في ديسمبر 2024، بسبب اختلافات حول السياسات الاقتصادية. - منغوليا – لوفسان نامسراي أويون-إردين (03 يونيو 2025):
استقال بعد فقدانه تصويت الثقة في البرلمان، وسط احتجاجات شعبية على العجز في الميزانية ونفقات حكومية فاخرة، بالإضافة إلى مطالب بإصلاحات اقتصادية شاملة وتحسين الشفافية. - اليابان – شيغيرو إيشيبا (07 سبتمبر 2025):
جاء الاستياء الشعبي نتيجة ارتفاع تكلفة المعيشة وتراجع القوة الشرائية، خصوصاً أسعار السلع الأساسية مثل الأرز. وكانت حكومته قد فقدت أغلبيتها في البرلمان في انتخابات 2024، ثم مرة أخرى في 2025، ما أضعف قدرتها على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. - فرنسا – فرانسوا بايرو (09 سبتمبر 2025):
استقال على خلفية احتجاجات واسعة بسبب خطط التقشف وتصاعد العجز في الميزانية، ما أدى إلى اضطراب سياسي واقتصادي واسع. - فرنسا – سيباستيان لوكورنو (06 أكتوبر 2025):
استقال بعد رفض البرلمان مشروع الموازنة العامة، ما أضعف شرعية حكومته وأثر على الأسواق المالية، مع انخفاض اليورو واهتزاز أسواق الأسهم الفرنسية. - بلغاريا – روسين جيليازكوف (أواخر نوفمبر 2025):
أعلن استقالته بعد احتجاجات حاشدة ضد الفساد وإخفاق الحكومة في تمرير مشروع موازنة 2026، وهي أول موازنة ستُعد باليورو. تزامنت الاستقالة مع ضغط شعبي متصاعد بسبب محاولات الحكومة فرض زيادات ضريبية ومساهمات اجتماعية جديدة، واتهامات بمحاولة “التغطية على الفساد المستشري”.
أثر الاستقالات دولياً
هذه الاستقالات، حسب قراءة بقش، حملت انعكاسات مباشرة على الأسواق العالمية. اهتزت أسواق الأسهم في الدول المتضررة، وانخفضت قيمة العملات الوطنية مقابل الدولار واليورو، كما تراجعت ثقة المستثمرين بسبب عدم استقرار السياسات الاقتصادية، ما أدى إلى زيادة مخاطر الاستثمار وتعطيل خطط النمو.
وازدادت الضغوط على سلاسل الإمداد، خاصة مع تصاعد الحروب التجارية وسياسات الحماية الجمركية.
ودفع ذلك الحكومات إلى مراجعة موازناتها، مع التركيز على العدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي لتجنب احتجاجات مستقبلية قد تعرقل الإصلاحات الاقتصادية.
بالنتيجة، يُعد عام 2025 نقطة تحول في العلاقة بين الاقتصاد والسياسة على مستوى العالم، إذ أظهرت الاستقالات المتتابعة لرؤساء الحكومات أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تقود إلى أزمات سياسية حادة، وأن السياسات الاقتصادية التقليدية، مثل التقشف وزيادة الضرائب، قد تواجه مقاومة شعبيّة قوية إذا لم ترافقها إصلاحات اجتماعية عادلة.


