
تقارير | بقش
في سوق الإسكان الإسرائيلي يتفاقم ضعف الطلب العقاري والأزمات المالية والاقتصادية والأمنية، وما كان ينظر إليه في إحدى الحقب على أنه سوق ناشئ واعد وكبير، صار اليوم سوقاً يعاني من الركود وانهيار المبيعات وتآكل الطلب وارتفاع المخاطر على مطوّري العقارات.
هذا الانهيار الذي تؤكده التقارير التي تابعها “بقش”، يُنذر بصدمة أكبر في قطاعات اقتصادية مرتبطة بسوق الإسكان، وهي قطاعات التمويل والبناء وسوق العمل، وحتى ثقة المستثمرين.
معطيات الأزمة
وفق اطلاع بقش على بيانات موقع غلوبس الإسرائيلي، شهدت مبيعات الشقق الجديدة في يناير 2025 انخفاضاً كبيراً: 7,619 شقة فقط بيعت خلال الشهر، مما يجعل يناير من الأضعف خلال أكثر من عشر سنوات.
وتراجعت المبيعات بنسبة 5% مقارنة بنفس الشهر من 2024، و32% مقارنة بشهر ديسمبر 2024، الذي شهد ذروة شراء قبل رفع ضريبة القيمة المضافة.
وفي يونيو 2025، انخفضت عمليات بيع الشقق الجديدة بنسبة 29٪ مقارنة بالعام السابق، ليُسجَّل أدنى مستوى منذ بدايات الألفية تقريباً.
إضافةً إلى ذلك، تشير البيانات إلى تراكم مخزون كبير من الشقق غير المباعة، ما يعني أن العرض يفوق الطلب بفجوة واضحة، وهو ما يخلق ضغطاً كبيراً على مطوري العقارات.
ولا يقتصر الانهيار على المبيعات، فالأسعار بدأت تنخفض، إذ انخفضت أسعار الشقق في عدد من المدن، بينما في مناطق حساسة مثل العاصمة أو المراكز العمرانية الكبرى، تراجع الطلب بشكل أشد.
ويشير هذا الواقع إلى أن سوق الإسكان الإسرائيلي دخل مرحلة “ركود ملموس”، وعلى الأغلب مرحلة “انكماش هيكلي”.
لماذا انهار سوق الإسكان الإسرائيلي؟
أحد أهم الأسباب المباشرة هو قرار بنك إسرائيل بتثبيت (ولفترة طويلة) أسعار فائدة مرتفعة، الأمر الذي رفع تكاليف الاقتراض، وقلل جاذبية التمويل العقاري حسب مراجعات بقش، ونتيجة لذلك، فإن كثيراً من العائلات أو الأفراد وجدوا أن القرض الشهري لشراء شقة أصبح أعلى بكثير من تكلفة الإيجار، مما قلّل الحافز للشراء.
وقبل الأزمة كان من الشائع أن يقدم المطورون تسهيلات تمويلية مثل “20/80” (دفعة أولى 20% ثم الباقي عند التسليم) لتسهيل الشراء، لكن بعد تدخل بنك إسرائيل وفرض قيود على هذه التسهيلات، تقلّصت هذه العروض أو صارت أقل جاذبية، ما خنق قدرة كثير من المشترين المحتملين.
وبدون هذه التسهيلات، أصبح عدد كبير من الفئات -خاصة المتوسطة أو ذات الدخل المحدود- عاجزاً عن تحمل عبء القرض، فانسحب من السوق.
وثمة مخاوف متزايدة على الاستقرار الأمني والاقتصادي نتيجة الحرب، فمع الحرب على غزة وتداعياتها الأمنية والاقتصادية صار كثير من المشترين والمستثمرين يتجنبون المغامرة بشراء عقار في ظل غموض المستقبل. وبهذه الحالة، حتى من لديهم قدرة شرائية أصبحوا يفضلون الانتظار، في أمل أن تنخفض الأسعار أكثر أو أن تتضح الرؤية.
في بداية 2025، أفادت جهات تحليلية أن هناك نحو 81 ألف وحدة سكنية غير مباعة في عموم البلاد، ما يجعل السوق يعاني من فائض عرض كبير.
هذا الفائض خلق حالة من «المخزون العالق”، إذ قد يستغرق بيع كل هذه الوحدات نحو 19 إلى 20 شهراً على وتيرة المبيعات الحالية.
نتيجة لذلك، انخفضت قيمة العقارات الجديدة، لأن العرض يفوق الطلب، والمطورون اضطروا لتخفيض الأسعار أو تقديم تخفيضات بهدف جذب مشترين.
تداعيات الأزمة
مع هذا الانهيار في المبيعات والانخفاض في الطلب، تواجه كثير من شركات التطوير العقاري خطر خفض حاد في الإيرادات، وربما الإفلاس أو تجميد مشاريع قائمة، خاصة أن تكاليف البناء ارتفعت (بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء ونقص اليد العاملة)، بينما الطلب انخفض، وهي معادلة قاتلة لأي مطور عقاري يعتمد على تدفق مستمر للمبيعات.
ووفق بيانات هذا العام التي تابعها بقش، تجاوز الدين الأسري -خصوصاً القروض العقارية- مستويات غير مسبوقة، ما وضع عبئاً كبيراً على الأسر. لهذا فإن الأسر المتوسطة والضعيفة تجد نفسها تحت ضغط مزدوج، إما تحمُّل قرض مرتفع جداً أو تأجيل شراء السكن، ما يعني التأجيل في تأسيس حياة مستقرة.
والمستثمرون، الذين كانوا يشكلون جزءاً أساسياً من الطلب على الشقق، خاصة في المدن الكبرى، بدأوا ينسحبون، فالسوق لا يمنح عائداً مرضياً في ظل ارتفاع الفائدة والمخاطر، وبالتالي بدأ رأس المال يتحول إلى أسواق أكثر سيولة أو أقل مخاطرة (مثل الأسهم أو الاستثمار خارج البلاد)، وعمّق هذا النزوح من العقار إلى بدائل أخرى الأزمةَ في السوق العقاري.
والأزمة الاقتصادية ليست محصورة في سوق الإسكان فقط، بل هي جزء من اضطراب أوسع في الاقتصاد الإسرائيلي، ناجم عن الحرب على غزة وتبعاتها.
وكان آلاف العمال الفلسطينيين يشكلون جزءاً من اليد العاملة في البناء والإعمار، لكن غيابهم أو تقييد دخولهم زاد من كلفة البناء وأبطأ تنفيذ المشاريع.
ويَظهر من التحليلات الإسرائيلية أن أزمة الإسكان في إسرائيل ناجمة عن تراكم سياسات نقدية، وقرارات تنظيمية، وصدمة أمنية-اقتصادية بسبب الحرب على غزة، وفي حال استمرار الظروف على ما هي عليه، فأسوأ ما في الأزمة ليس الانخفاض في المبيعات، بل فقدان الثقة طويل الأمد.


