الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

أزمة اقتصادية تدفع البرلمان الإيراني لإقالة وزير الاقتصاد وسط تهاوي الريال

في خطوة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية وتصاعد التوترات السياسية الداخلية، صوت البرلمان الإيراني اليوم الأحد على سحب الثقة من وزير الاقتصاد “عبد الناصر همتي”، بعد ستة أشهر فقط من تعيينه، بأغلبية 182 صوتاً مقابل معارضة 89 نائباً وامتناع واحد.

جاء القرار تتويجاً لجلسة استجواب حامية الوطيس، ركزت على فشل إدارة ملفات سوق العملات وانهيار الريال وارتفاع الأسعار، في ظل عقوبات دولية متصاعدة وخلافات بين التيارات السياسية حول سبل مواجهة التحديات.

استجواب في قلب العاصفة: اتهامات سياسية وإخفاقات اقتصادية

أُطلق مشروع استجواب همتي في 11 يناير 2025 بمبادرة من النائب المحافظ حسين علي حاجي دليجاني، وحظي بدعم 75 نائباً مبدئياً، وارتفع لاحقاً إلى 117، وفقاً لوكالة “فارس”. وركزت محاور الاستجواب على أربعة ملفات شائكة: إدارة سوق الصرف الأجنبي والذهب، انهيار قيمة الريال، توجيه السيولة النقدية نحو الإنتاج، وارتباط أسعار السلع الأساسية بتقلبات العملة.

من جهته، دافع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن الوزير المطاح به خلال الجلسة، قائلاً: “المشكلات الاقتصادية ليست وليدة شخص واحد، ولا يمكن تحميله وحده المسؤولية”. وأضاف في إشارة إلى العقوبات الأمريكية: “نخوض حرباً اقتصادية هي الأصعب في تاريخ البلاد، حتى مقارنة بالحرب مع العراق”، محذراً من أن “العدو يسعى لبث الفرقة، ولا يجب أن نسمح بتحقيق أهدافه”.

واجه عبد الناصر همتي اتهامات النواب بالدفاع عن سجله، مُشيراً إلى أن نسبة التضخم انخفضت من 42% إلى 32% خلال فترة ولايته القصيرة، وأن سعر الدولار في السوق الموازية (الذي تجاوز 920 ألف ريال) “غير واقعي وسينخفض حتماً”. لكنه اعترف بأن “الضغط على الموازنة سيستمر طالما استمرت العقوبات”، كاشفاً عن تعويض عجز بقيمة 9 مليارات دولار خلال خمسة أشهر.

من ناحية أخرى، هاجمه الإصلاحيون والمحافظون على حد سواء، حيث اتهمه التيار الإصلاحي بالمساهمة في تفاقم الأزمة عبر سياسات غير مدروسة، بينما رأى المحافظون المتشددون في “جبهة الصمود” أن استجوابه خطوة لـ”تصحيح المسار”. وفي تعليق صحفي قال الخبير الاقتصادي إيرج يوسفي: “الاستجواب مدفوع بدوافع سياسية وأخرى موضوعية، فسياسات همتي في توحيد أسعار الصرف زادت الطين بلة”.

تفكيك الأزمة: ثلاثة أسعار للدولار وعجز هائل في الموازنة

كشف يوسفي عن تفاصيل مُعقدة لسياسة الصرف المزدوجة التي اتبعتها الحكومة، موضحاً أن هناك ثلاثة أسعار للدولار:

السعر الرسمي (285 ألف ريال): مخصص لاستيراد السلع الأساسية والدواء، لكنه “غير مستقر ويتعرض لارتفاعات متكررة”.

سعر “النيما” الحكومي: ارتفع من 400 ألف إلى 700 ألف ريال خلال أشهر، وهو المُستخدم في المعاملات شبه الرسمية.

السوق السوداء (الموازي): تجاوز 930 ألف ريال، مما فاقم تضخم أسعار السلع المحلية.

وأوضح يوسفي أن العجز في الموازنة وصل إلى 800 ألف مليار تومان (حوالي 9 مليارات دولار)، وأن الحكومة لجأت لتعويضه عبر رفع سعر الصرف بدلاً طباعة النقود، ما أدى إلى “تآكل القوة الشرائية للمواطنين، خاصة مع ثبات الرواتب رغم ارتفاع الأسعار بنسبة 50%”. كما حذّر من عودة ترامب إلى السلطة، واصفاً إياها بـ”القنبلة الموقوتة” للاقتصاد الإيراني.

تحذيرات من تداعيات القرار: استقالة أم استهداف سياسي؟


عبرت الخبيرة الاقتصادية كتايون ملكي عن تشكيكها في فاعلية إقالة همتي، قائلة: “التغيير في هذا التوقيت سيُزيد توتر أسواق العملات، ولن يحل المشاكل الجذرية”. وأضافت: “الأزمة أكبر من وزير، فالعقوبات الخارجية مترافقة مع حصار ذاتي بسبب قرارات خاطئة مثل فرض رسوم على الصادرات، مما قلص تدفق العملة الصعبة”.

ودعت ملكي إلى إصلاحات جذرية، أبرزها انضمام إيران إلى “فريق العمل المالي الدولي (FATF)” لرفع اسمها من القائمة السوداء، مما يسهل التحويلات المصرفية. يذكر أن إيران أدرجت في القائمة عام 2020 بسبب عدم امتثالها لمعايير مكافحة تمويل الإرهاب.

كشف بزشكيان خلال دفاعه عن همتي عن وجود 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، تم نقلها إلى بنوك قطرية بموجب اتفاق مع إدارة بايدن عام 2023، دون الكشف عن مصيرها الحالي. كما أشار إلى وجود عوائد صادرات إيرانية مجمدة في تركيا والعراق، لكنه امتنع عن تفصيل المبالغ، مُبرراً ذلك بـ”حماية المعلومات من الأعداء”.

خلفية الاستجواب: صراع التيارات وانقسام النخبة
لم تكن جلسة الاستجواب مجرد محاسبة اقتصادية، بل شهدت صراعاً بين تيارين:

الإصلاحيون: اتهموا المحافظين بـ”استغلال الأزمة لتصفية الحسابات السياسية”.

المحافظون المتشددون: ردوا باتهام الإصلاحيين بـ”تعطيل الرقابة البرلمانية”.

وفي تحليل للخلفيات، يرى مراقبون أن الإقالة تأتي في إطار صراع أوسع على إدارة الملف الاقتصادي، حيث يسعى المحافظون لتعزيز نفوذهم قبيل الانتخابات البرلمانية المقبلة، بينما تحاول الحكومة الإبقاء على تماسكها في مواجهة عاصفة اقتصادية تهدد الاستقرار الاجتماعي.

مستقبل غامض: اقتصاد منهار وإصلاحات مؤجلة

رغم محاولات الحكومة التلويح بوجود “خطة إنقاذ”، يرى خبراء أن الاقتصاد الإيراني يواجه تحديات وجودية، حيث تجاوزت احتياطيات العملة الصعبة الـ80 مليار دولار في أيدي المواطنين، وفقاً ليوسفي، لكنها تظل خارج السيطرة الرسمية. وفي ظل استمرار العقوبات وغياب الإصلاحات الهيكلية، تبدو الصورة قاتمة: ارتفاع متواصل للبطالة، تآكل الطبقة الوسطى، واتساع رقعة الفقر التي أشار همتي نفسه إلى أنها “أضافت 10 ملايين فقير خلال 7 سنوات”.

هكذا، تتحول إقالة همتي إلى رمز لفشل النخبة الحاكمة في إيجاد مخرج من المتاهة الاقتصادية، حيث تتداخل العوامل الخارجية مع السياسات الداخلية المتناقضة، لتترك الشعب الإيراني في مواجهة مصير مجهول، بين مطرقة العقوبات وسندان الإدارة الهشَّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى