
أخبار الشحن | بقش
وسط التوترات الإقليمية، تعرضت خطوط الشحن البحري العالمية لأخطر تهديداتها منذ سنوات، ورغم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، لا تزال أسواق الشحن والتأمين البحري تشهد تحديات ضخمة تجعل العودة إلى بيئة آمنة ومستقرة مسألة بعيدة المدى وفق اطلاع بقش على تحليل حديث لشركة “كبلر” لمعلومات التجارة العالمية.
المخاطر البحرية في البحر الأحمر
منذ نوفمبر 2023، سجل البحر الأحمر أكثر من 160 حادثة هجوم استهدفت السفن التجارية، وفقاً للتقرير، ما أدى إلى تضرر مئات السفن، وحوادث غرق، وخسائر بشرية. وفي البداية، كانت الهجمات بسيطة نسبياً، تشمل الصواريخ والطائرات المسيرة، وغالباً ما كانت تنحرف عن أهدافها، مسببةً فوضى عامة أكثر من الخسائر المباشرة.
ومع مرور الوقت، طور الحوثيون قدرات هجومية متقدمة تضمنت هجمات منسقة تجمع بين الصواريخ والطائرات المسيرة والسفن السطحية وحتى الغواصات المسيّرة، مما زاد من دقة وفتك الهجمات بشكل كبير.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار في غزة -الذي تخترقه إسرائيل باستمرار الضربات- سُجّل خلال شهر واحد فقط أكثر من 500 انتهاك إسرائيلي، بينما شملت خروقات وقف إطلاق النار في لبنان استهداف ضباط عسكريين كبار. ومن المعروف أن الحوثيين يستأنفون أعمالهم العدائية إما بعد خرق كبير أو عند تراكم خروقات صغيرة يصعب تحملها. وهذا يشير إلى أن أي تهدئة في البحر الأحمر تبقى هشة، ولا يمكن اعتبارها ضماناً لانخفاض المخاطر على المدى الطويل.
سوق التأمين البحري وتكيفه مع المخاطر
عند اندلاع الأزمة قبل عامين، ألغت العديد من شركات التأمين التغطية على عمليات النقل في البحر الأحمر، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أقساط التأمين.
مع تراكم البيانات حول أنماط الاستهداف، تمكنت شركات التأمين من تحديد السفن الأكثر عرضة للخطر، خاصة تلك المرتبطة بإسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة. ووفق قراءة بقش، أدى هذا إلى انقسام أسطول الشحن بين السفن التي تستمر في الرسو في الموانئ الغربية، وتلك التي تتجنب نقاط التماس الخطرة، مع اعتماد إجراءات أمان مشددة مثل الحراس المسلحين والمرافقة العسكرية والملاحة المحددة.
وتشكل سفن “أسطول الظل” جزءاً كبيراً من نقل النفط الخام في البحر الأحمر، وتعمل غالباً دون تغطية تأمينية غربية، بينما تقدم بعض شركات التأمين الروسية تغطية محدودة.
هذا السوق “البديل” أقل قدرة على التعامل مع المطالبات الكبرى، وقد يؤدي وقوع حوادث واسعة النطاق إلى خسائر كبيرة غير قابلة للتعويض.
وحتى بعد انخفاض وتيرة الهجمات، لم تعد أسعار التأمين إلى مستويات ما قبل الأزمة، فسوق التأمين الآن يعتمد على مبدأ التحول بين المخاطرة والتجنب، مع الحفاظ على أقساط مرتفعة لضمان التغطية ضد الانتكاسات المحتملة، بما في ذلك الهجمات الطارئة من الطائرات المسيّرة والصواريخ والغواصات والتقنيات البحرية المتقدمة.
عبور سفن الحاويات العملاقة
شهدت الفترة الأخيرة عبور سفينة الحاويات “بنجامين فرانكلين” بنجاح، وهي أول سفينة من هذا الحجم تعبر البحر الأحمر منذ نحو عامين، تحمل حوالي 17,000 حاوية نمطية.
ويشير هذا إلى استعادة جزئية للثقة في النقل البحري، رغم أن مخاطر هذه السفن لا تشمل فقط الأضرار المباشرة، بل تتضمن التهديدات البيئية والتكاليف العالية في حالة الهجمات على السفن أو حمولاتها.
وتعتمد العديد من شركات الطاقة الكبرى حالياً على وسطاء لتجاوز البحر الأحمر، ثم تستعيد الشحنات على الجانب الآخر من قناة السويس. هذا يقلل من كفاءة النقل ويزيد من التعقيد، ويتطلب انتظاراً طويلاً لتطبيق النقل المباشر، حيث من المتوقع أن تعود الشركات الكبرى إلى المسار المباشر في أواخر الربع الثاني من عام 2025 على أقرب تقدير، بشرط عدم وقوع أي هجمات جديدة.
ويذكر التقرير أن اضطراب النقل في البحر الأحمر أدى إلى تعديل مسارات الشحن، بما في ذلك زيادة أميال الرحلات، ما يوفر فرص عمل إضافية على السفن ويؤثر إيجابياً على أسعار الشحن. ومع ذلك، فإن الضغط للعودة إلى المسار التقليدي يأتي من أصحاب المصالح التجارية وليس من مالكي السفن، مما يؤخر استعادة كفاءة النقل إلى مستويات ما قبل الأزمة.
تهديدات بحرية ناشئة
ظهر تهديد جديد يتمثل في الألغام اللاصقة، وهي أجهزة متفجرة تثبت على هياكل السفن تحت خط الماء، وتنفجر عن بعد.
ويمكن أن تبقى هذه الألغام غير مكتشفة لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر، مما يحول خطر الحرب البحرية من تهديد قصير المدى إلى تهديد طويل المدى. السفن التي تبدو في مناطق “آمنة” قد تكون معرضة للانفجار نتيجة عبوات ناسفة من عمليات سابقة في مناطق عالية الخطورة.
وتتطور الحروب البحرية بوتيرة متسارعة، بدءاً من الغواصات غير المأهولة، وصولاً إلى الطائرات المسيّرة، وتعطيل الكابلات البحرية، وتخريب خطوط الأنابيب.
هذه التطورات، حسب اطلاع بقش على التقرير، تجعل تقييم المخاطر التقليدي أكثر تعقيداً، وتجعل من مناطق الاختراق وهياكل الأقساط الإضافية جزءاً دائماً من عمليات التأمين البحري.
وتشمل المخاطر البحرية الحالية أيضاً التوترات في البحر الأسود، حيث تتعرض ناقلتا بضائع للهجوم، وعودة القرصنة الصومالية، بالإضافة إلى تصاعد التوتر في الخليج العربي بعد استهداف مواقع إيرانية، والمراقبة المستمرة لمناطق بحر الصين الجنوبي وفنزويلا. ورغم تفاوت التهديدات، فإن سوق التأمين يدمجها ضمن حساباته لتقييم المخاطر على مستوى عالمي.
تداعيات على سوق الشحن
أصبح سوق التأمين البحري أكثر حذراً واستراتيجية في تسعير المخاطر، مع المحافظة على أقساط مرتفعة لضمان التغطية ضد أي انتكاسات مستقبلية.
اختبارات السوق البديل مثل “أسطول الظل” أقل قدرة على التعامل مع المطالبات الكبرى، مما يسلط الضوء على أهمية الخبرة الغربية ورأس المال الضخم في التأمين البحري.
ويعكس عبور سفن الحاويات العملاقة عودة جزئية للثقة، لكنه لا يعني نهاية المخاطر الطويلة المدى، خاصة مع تهديدات الألغام اللاصقة والتكنولوجيا البحرية الحديثة حسب التقرير.
وأصبحت سلاسل التوريد المعدلة والمسارات الأطول جزءاً من استراتيجيات التكيف مع المخاطر، لكنها تؤثر على الكفاءة والتكاليف.
كما تتطلب المخاطر الإقليمية الناشئة إدارة دقيقة ومستدامة للعمليات البحرية، مع اعتماد إجراءات أمنية قوية وبروتوكولات صارمة لضمان استمرار النقل البحري بأمان.
وفي الخلاصة، يبقى البحر الأحمر محوراً استراتيجياً عالمياً للنقل البحري، لكن المخاطر المرتبطة بالصراعات المسلحة والتكنولوجيا البحرية الحديثة تجعل العودة إلى الوضع الطبيعي قضية بعيدة المدى.
ويحتاج السوق إلى تهدئة مستدامة، وتقدم سياسي ملموس، وفترات زمنية كافية لتراكم البيانات التي تثبت تغير بيئة المخاطر بشكل جذري. وحتى ذلك الوقت، ستظل أسعار التأمين المرتفعة، والاختيار الدقيق للسفن، وإجراءات إدارة المخاطر الصارمة من السمات الأساسية للملاحة البحرية في المنطقة.


