أخبار الشحن
أخر الأخبار

أزمة البحر الأحمر: مرور سفينة عملاقة وبوادر انفتاح حذر في الممر الاستراتيجي

أخبار الشحن | بقش

نجحت سفينة الحاويات العملاقة CMA CGM Benjamin Franklin، البالغة سعتها 17,859 وحدة مكافئة لعشرين قدماً، في عبور “البحر الأحمر” بسلامة مطلع شهر نوفمبر الجاري، لتصبح أول سفينة شحن ضخمة تقوم بذلك منذ نحو عامين، بعد فترة طويلة من تجنّب شركات النقل الكبرى للممر البحري الاستراتيجي.

وترفع السفينة علم مالطا، وقد بُنيت عام 2015، وتُعدّ واحدة من أكبر سفن الأسطول الفرنسي التابع لشركة CMA CGM.

ووفق تتبُّع مرصد “بقش” بيانات ميناء لونغ بيتش وشركة لويدز ليست إنتليجنس، فقد أعادت السفينة تفعيل نظام تحديد الهوية التلقائي (AIS) في 07 نوفمبر 2025 بالقرب من جزيرة سقطرى اليمنية، عند مدخل خليج عدن، بعد انقطاع دام ستة أيام بدأ فور خروجها من خليج السويس، في خطوة يُعتقد أنها احترازية حسب موقع لويدز ليست.

وباتت السفينة في شرق بحر العرب، ومن المقرر أن تصل إلى ميناء كلانغ الماليزي في 14 نوفمبر، في رحلة عودة إلى آسيا بعد مغادرتها ساوثهامبتون البريطانية في 25 أكتوبر.

وتأتي هذه الرحلة ضمن خدمة NEU4 لتحالف المحيطات، الذي يضم شركات CMA CGM وCOSCO Shipping وEvergreen.

اختبار المياه قبل العودة الكاملة

تشير المعطيات التي يرصدها بقش إلى أن شركة CMA CGM تتّبع سياسة “العودة التجريبية” إلى البحر الأحمر عبر إرسال عدد محدود من السفن العملاقة لاختبار الوضع الأمني.

فقد دخلت السفينة CMA CGM Zheng He قناة السويس قادمة من البحر المتوسط وأغلقت نظامها الآلي أيضاً، بينما تم رصد السفينة CMA CGM Jules Verne -بسعة 16,020 حاوية نمطية- بالقرب من سقطرى متجهة نحو قناة السويس في الموعد ذاته تقريباً، ضمن خدمة Med 2 التي تربط آسيا بالبحر الأبيض المتوسط.

ووفق تحليل شركة Linerlytica، فإن استمرار هذه السفن في رحلاتها المخطط لها عبر قناة السويس قد يشكّل مؤشراً على إعادة فتح محتملة لخدمات تحالف المحيطات في الخط الملاحي بين الشرق الأقصى والبحر المتوسط، وهو مسار استراتيجي توقف جزئيًاً منذ عامين.

مع ذلك، تذكّر الشركة بأن خدمة MED5 كانت الوحيدة تقريباً التي واصلت استخدام طريق السويس بانتظام منذ بداية الأزمة البحرية، في ظل لجوء معظم السفن العملاقة إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، ما أدى إلى زيادة التكاليف الزمنية والمالية للشحن العالمي.

الظروف المحيطة

هذه التطورات تزامنت مع وقف إطلاق النار في غزة، ما أعطى بعض المؤشرات الإيجابية رغم هشاشة الاتفاق واستمرار الخروقات الإسرائيلية.

وفقاً للرئيس التنفيذي لشركة الشحن الدنماركية العملاقة “ميرسك”، فينسنت كليرك، فإن الهدنة في غزة تمثل “خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح لإعادة فتح قناة السويس”، وأشار حسب قراءة بقش إلى أن استقرار الأوضاع وإطلاق عملية إعادة الإعمار هما الشرطان الأساسيان لعودة الملاحة الآمنة.

وقال: “ما نحتاج إلى رؤيته هو أن يترسخ هذا الوضع، مما يؤدي إلى إعادة الإعمار حتى لا ننزلق إلى مرحلة جديدة من الصراع، وعندما يبدأ هذا الوضع في اكتساب زخم، سنعيد تقييم الوضع الأمني”.

لكن أعمال إعادة الإعمار في غزة ما زالت محدودة حتى الآن على إزالة الأنقاض، ومن المتوقع أن تستمر نحو شهرين على الأقل، في حين تبقى الجهود الأوسع لإعادة البناء رهينة وقف إطلاق نار دائم ودعم مالي دولي لم يُحسم بعد.

وفي هذا السياق، أعلنت شركة “ميرسك” في تقرير أرباحها للربع الثالث من 2025 الذي طالعه بقش، أنّ الاضطرابات في البحر الأحمر مرشحة للاستمرار طوال العام المقبل، ما يعني أن عودة الملاحة الطبيعية عبر هذا الممر الحساس ما تزال بعيدة المنال.

ويرى جونسون ليونغ، المؤسس المشارك لشركة Linerlytica، أن تحركات CMA CGM الأخيرة لا تعني عودة شاملة أو قريبة لعبور قناة السويس، لأن المخاطر الأمنية ما زالت مرتفعة سواء على السفن أو البضائع. وأوضح أن هذه الرحلات التجريبية تهدف أساساً إلى تحسين أوقات دوران السفن وإعادة تموضع الحاويات الفارغة في آسيا بسرعة أكبر طالما ظلت أسعار الشحن مرتفعة بما يكفي لتغطية المخاطر.

ويضيف ليونغ أن السماح بمرور آمن من قبل الحوثيين هو العامل الحاسم في نجاح هذا التوجه. أما في حال قررت سفينة ضخمة متجهة من آسيا إلى شمال أوروبا سلوك طريق البحر الأحمر في رحلتها الرئيسية (أي محملة بالكامل بالبضائع)، فسيُعدّ ذلك تحولاً جوهرياً ومؤشراً فعلياً على عودة الملاحة المنتظمة.

ورغم عبور سفينة CMA CGM Benjamin Franklin بسلامة كما ورد في تقرير “لويدز ليست” البريطاني، إلا أن عودة حركة السفن على نطاق واسع ما تزال مستبعدة في الأفق القريب استناداً على تقارير بقش السابقة.

فالوضع الأمني لا يزال هشاً، والتهديدات لم تُرفع كلياً، كما أن التحالفات الملاحية تعتمد على تقييمات أمنية معقدة قبل إعادة تشغيل خطوطها.

ومع ذلك، فإن الخطوة تحمل رمزية تُعد إيجابية بالنسبة لشركات الشحن العالمية، إذ تُظهر استعداد بعض الشركات الكبرى لتجريب الطريق مجدداً تمهيداً لاستعادة الممر الملاحي الأهم في العالم، الذي يختصر المسافة بين آسيا وأوروبا بنحو 10 آلاف كيلومتر مقارنة بالطريق حول إفريقيا.

وقد يمهد نجاح هذه التجارب لمرحلة إحياء تدريجي للملاحة في البحر الأحمر، مما سيعيد التوازن إلى سلاسل الإمداد العالمية التي تضررت بشدة منذ عام 2023، ويخفّض تكاليف الشحن، ويعيد الاستقرار التجاري إلى الممر البحري الأكثر استراتيجية.

زر الذهاب إلى الأعلى