الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

أزمة التمويل الأوروبي لأوكرانيا.. أوروبا في حالة انقسام و روسيا تصعّد

الاقتصاد العالمي | بقش

تتصاعد الحرب المالية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، كجزء من الصراع في أوكرانيا، حيث تحولت الأصول الروسية المجمدة في أوروبا، التي تصل إلى نحو 300 مليار دولار، إلى ما يشبه “لغماً مالياً” يهدد الاستقرار الأوروبي إذا ما تم المساس بها دون غطاء قانوني صارم.

وبينما تكافح أوكرانيا لضمان استمرار عمل مؤسساتها وإعادة الإعمار في ظل الحرب الشاملة، يسعى الاتحاد الأوروبي لإيجاد طرق لتمويل كييف اقتصادياً وعسكرياً، مستفيداً من هذه الأصول المجمدة، إلا أن العملية محفوفة بمخاطر قانونية وسياسية، حيث تتباين مصالح الدول الأوروبية فيما بينها، مع مواقف صارمة من بلجيكا والمجر، ومخاوف من الرد الروسي المباشر على أي مساس بهذه الأموال.

الاتحاد الأوروبي: استثمار الأصول الروسية لتقوية الصناعات الدفاعية

في خطوة مثيرة للجدل، يدرس الاتحاد الأوروبي تطبيق قاعدة “اشترِ الأوروبي” على القرض المقرر لأوكرانيا، والذي سيُموّل من الأصول الروسية المجمدة.

المقترح، الذي قد يصل حجم التمويل فيه إلى 210 مليارات يورو (246 مليار دولار) على مدى خمس سنوات، يقضي وفق اطلاع “بقش” بأن يتم تخصيص أكثر من نصف التمويل لصالح مصنعي الدفاع في أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، مع استثناء محدود لشركاء مثل النرويج.

ويهدف الاتحاد، من خلال هذه القاعدة، إلى الحد من قدرة أوكرانيا على شراء أسلحة أميركية الصنع، وضمان عوائد مباشرة لصناعة الدفاع الأوروبية. كما يسمح المقترح لبعض الاستثناءات في حالات الطوارئ العسكرية، بما يمنح كييف بعض المرونة دون تجاوز القواعد الصارمة.

هذه الخطوة ليست مجرد إجراء مالي، بل استراتيجية لتعزيز التكامل بين الصناعة الدفاعية الأوروبية والأوكرانية، والاستفادة من الخبرة العسكرية التي اكتسبتها أوكرانيا خلال أربع سنوات من الحرب، لتصبح جزءاً من خط الدفاع الأول لأوروبا ضد روسيا.

ووفقاً للمفوضية الأوروبية، تجاوزت فوائد الأصول الروسية المجمّدة في بلجيكا وحدها 3 مليارات دولار حتى الربع الثالث من 2025، فيما تصل أصول “مجموعة السبع” المجمّدة إلى نحو 300 مليار دولار، ومعظم هذه الأموال محفوظة في مركز الإيداع البلجيكي “يوروكلير”.

وعلى الرغم من حجمها الهائل، فإن هذه الأموال تشكل مخاطرة ضخمة، إذ أن أي تصرف فيها دون حماية قانونية صارمة قد يعرض النظام المالي الأوروبي لهزات كبرى، خاصة في ظل تحرك روسيا قضائيًا لاستعادة أصولها.

بلجيكا، كأكبر مستضيف لهذه الأموال، تعيش تحت وطأة ضغوط مزدوجة، من جهة من الاتحاد الأوروبي للموافقة على التمويل، ومن جهة أخرى من موسكو التي تلوّح بإجراءات قضائية.

مواقف أوروبية متباينة

بلجيكا تعارض استغلال الأصول الروسية دون ضمانات واضحة لتغطية المخاطر القانونية والمالية.

رئيس الوزراء البلجيكي، بارت دي ويفر، طالب بتعهدات مكتوبة من الدول الأعضاء الأخرى لحماية بلجيكا من أي مطالبات مستقبلية بالتعويض عن الأضرار، كما حذّر وزير الخارجية مكسيم بريفو من أن أي خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى انهيار الاقتصاد البلجيكي.

وقال بريفو: “بلجيكا لا تعرب عن اعتراضاتها خوفاً من الضغوط أو الإجراءات الجوابية. إننا ببساطة نحاول تجنب انهيار اقتصادنا في حال اتخاذ قرار دون ضمانات كافية”. وأضاف حسب قراءة بقش: “القرض التعويضي ليس الطريقة الوحيدة لمساعدة أوكرانيا ولا الحل الأمثل ولا الخيار الذي نفضّله، وهناك مقاربات تنطوي على مخاطر قانونية ومالية أقل”.

المجر، من جهتها، أزالت موضوع الأصول الروسية من جدول أعمال القمة، معتبرةً أن استمرار النقاش قد يضر بالوحدة الأوروبية، بينما تعبر عن شكوكها في جدوى دعم أوكرانيا.

روسيا تتحرك قضائياً

موسكو لم تقف مكتوفة الأيدي، بل اتخذت خطوات قضائية فعالة. أعلن البنك المركزي الروسي اليوم الخميس عن تقديم دعاوى أمام المحاكم الروسية ضد البنوك الأوروبية، متذرعاً بأن أي استخدام للأصول المجمدة يمثل مصادرة غير قانونية.

هذه التحركات تأتي في إطار حماية المصالح السيادية والمالية الروسية، وتشير إلى أن أي خطوة أوروبية غير محسوبة قد تواجه مواجهة قانونية طويلة ومعقدة، تزيد من تعقيد أي تمويل محتمل لأوكرانيا.

أمريكا وبريطانيا: لعبة النفوذ والمعلومات

الولايات المتحدة، رغم دعمها العام لأوكرانيا، لم تؤيد استخدام الأصول الروسية مباشرة لتمويل الحرب، مفضلةً ربط التمويل باتفاقية سلام وإعادة إعمار.

أما بريطانيا، وفق تقارير الاستخبارات الروسية، فتلعب دوراً مضللاً في بروكسل، عبر توجيه معلومات بأن ترامب يسعى للتوصل إلى حل وسط مع موسكو، بهدف التأثير على السياسات الأوروبية واستغلال الأصول الروسية لمكاسب مالية.

هذه التداخلات تُظهر أن الملف المالي الأوروبي–الأوكراني–الروسي أصبح ساحة معقدة للتوازنات السياسية الدولية والمصالح الاستراتيجية، حيث تتشابك السيادة الوطنية، والقانون الدولي، والمناورات الدبلوماسية، والتحديات الاقتصادية.

معضلة التمويل واستمرار الحرب

القمة الأوروبية الحالية تعكس تعقيدات اتخاذ القرارات في بيئة مضطربة. استخدام الأصول الروسية المجمدة لأوكرانيا يوفر فرصة تمويل ضخمة، ولكنه محفوف بالمخاطر القانونية والسياسية، ويضع الدول الأوروبية، وخصوصاً بلجيكا، في قلب المواجهة مع موسكو.

ويكمن التحدي حسب التحليلات التي طالعها بقش في إيجاد صيغة توازن بين دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً دون الإضرار بالاقتصاد الأوروبي، واحترام السيادة الروسية لتجنب مواجهات قضائية دولية، والحفاظ على الوحدة الأوروبية وسط اختلاف الأولويات والمخاطر بين الدول الأعضاء.

في النهاية يبقى الملف مفتوحاً، وسيكون للقوانين الدولية، والضغوط السياسية، والمناورات الاقتصادية، الدور الأكبر في تحديد ما إذا كانت الأصول الروسية ستتحول من “كنز” إلى “لغم” مالي يهدد استقرار أوروبا، أو أداة استراتيجية لدعم أوكرانيا واستعادة التوازن الدفاعي في القارة العجوز.

زر الذهاب إلى الأعلى