الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

أزمة الشحن البحري تهدد أسعار السلع في مصر: ارتفاع التكاليف وسط توتر إقليمي وتوقعات بزيادات واسعة في الأسعار

الاقتصاد العربي | بقش

تشهد الأسواق المصرية حالة من الترقب والقلق المتصاعد وسط ارتفاع حاد في أسعار الشحن البحري، بفعل تداعيات الحرب المتصاعدة بين إيران وإسرائيل، والتي أثرت بشكل مباشر على حركة الملاحة الدولية وكلفة تأمين السفن ومرور الشحنات، وهو ما بات يُنذر بزيادة وشيكة في أسعار السلع داخل السوق المحلي، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري بالفعل من ضغوط تضخمية مزمنة.

وبحسب ما رصده بقش من تقارير متخصصة كالتي نشرتاها رويترز وبلومبيرغ، فإن تكاليف الشحن ارتفعت خلال الأسبوع الماضي بنسبة تراوحت بين 10% و100% تبعاً للوجهة ونوع الشحن، وهذه الزيادات المفاجئة دفعت شركات مصرية إلى إعادة احتساب تكاليف البضائع المستوردة وإعادة جدولة شحناتها.

“أمل غزال”، رئيس مجلس إدارة شركة “آي تي إل لوجيستيك إيجيبت”، أكدت أن أسعار الشحن ارتفعت بنسبة 20%، مما تسبب في انكماش حجم أعمال شركات الشحن بنسب تتراوح بين 20% و25%، مضيفة في تصريحات لـ”بلومبيرغ” أن المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة في الشرق الأوسط تعزز مناخ عدم اليقين وتؤدي إلى اضطرابات حادة في حركة التجارة.

انعكاسات مباشرة على أسعار السلع والخدمات

هذه التطورات تترجَم بشكل فوري إلى السوق المحلي، حيث يقول “محسن التاجوري”، رئيس شركة التاجوري للأخشاب ووكيل شعبة المستوردين في غرفة القاهرة التجارية، إن أسعار الشحن على منتجات الأخشاب ارتفعت بنسبة 15%، وهو ما رفع سعر المتر المكعب بنسبة تراوحت بين 15% و20%، مؤكداً أن الموردين الأجانب بدأوا بالفعل بإعادة تسعير شحناتهم لمصر.

الوضع لم يختلف كثيراً في قطاع السيارات، فقد أكد علاء السبع، رئيس مجموعة “السبع”، أن بعض شركات الشحن أبلغتهم رسمياً برفع أسعارها بنسبة تصل إلى 100% دفعة واحدة، وهو ما أدى إلى تأخير في وصول السفن، وارتباك في عمليات التوريد، وقد بدأت بعض الشركات ترفض تسلم الشحنات في ظل التكاليف الجديدة.

وفي السياق نفسه، قال هاني ماهر، رئيس شركة “تراست موتورز” للسيارات، إن أسعار شحن الحاويات قفزت بنحو 26% لتصل إلى 4800 دولار للحاوية الواحدة، مقارنة بـ3800 دولار قبل أسابيع قليلة، مشيراً إلى أن هذه الزيادة تشمل كل أنواع السلع المستوردة، وليس فقط السيارات، وأوضح أن دورة رأس المال التي كانت تستغرق 30 يوماً، أصبحت اليوم تستغرق أكثر من 90 يوماً، ما يضع ضغوطاً كبيرة على السيولة في الشركات المستوردة.

صعود أسعار النفط والتأثير المضاعف

الضغوط لا تقتصر فقط على تكاليف الشحن، بل تشمل أيضاً تأثيرات متوقعة على أسعار النفط، وفقاً لتقديرات “بلومبيرغ إيكونوميكس”، فإن استمرار التوترات الإقليمية، واحتمال قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز – الذي يمر عبره نحو 20 مليون برميل نفط يومياً، ما يعادل خُمس الاستهلاك العالمي – قد يدفع سعر البرميل إلى حاجز 130 دولاراً.

خالد أبو المكارم، رئيس المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، أشار في تصريحات لـ”بلومبيرغ” إلى أن هناك زيادات بدأت بالفعل في أسعار الشحن بنحو 10% على الأقل، موضحاً أن تصاعد الحرب في الخليج سيؤدي إلى نقص المعروض من المواد البترولية، ما يفتح الباب لزيادات إضافية في تكاليف الإنتاج، خاصة في القطاعات المعتمدة على الغاز مثل صناعة الأسمدة.

من جهته، أكد عمرو السمدوني، سكرتير شعبة النقل الدولي واللوجستيات بغرفة القاهرة التجارية، أن أسعار شحن المنتجات البترولية ارتفعت بالفعل بين 50% و60%، كما أن الشحن الجوي يواجه مشكلات متزايدة بفعل إغلاق بعض المطارات في المنطقة، وهو ما يؤثر مباشرة على جدول الرحلات والبضائع سريعة التلف.

تداعيات على قطاع السيارات والتجارة الخارجية

في قطاع السيارات، الذي يعاني أصلاً من ضغوط العملة وقيود الاعتمادات المستندية، يتوقع خالد سعد، أمين عام رابطة مصنّعي السيارات، أن ترتفع أسعار الشحن بنسبة قد تصل إلى 100% خلال الأيام المقبلة، مما سينعكس على أسعار السيارات التي قد تسجل زيادة جديدة بين 5% و10% خلال أسابيع، في حال استمرار الصراع دون حل دبلوماسي قريب.

هذا وأشارت بيانات حكومية طالعها “بقش” إلى أن واردات مصر السلعية نمت خلال عام 2024 بنسبة 4.6% لتصل إلى 78.3 مليار دولار، مما يعني أن أي زيادات في تكلفة الشحن ستنعكس على نسبة كبيرة من المعروض السلعي في الأسواق، خاصة أن مصر تعتمد بشكل كبير على الاستيراد في الغذاء، والوقود، وقطع الغيار، والآلات.

في محاولة لاحتواء أي موجة غلاء قادمة، حذّر رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي التجار من رفع الأسعار دون مبرر، مشيراً إلى أن العملة مستقرة، ولا توجد مشكلات في فتح الاعتمادات المستندية، مؤكداً أن مصر تمتلك مخزوناً استراتيجياً من السلع يتجاوز 6 أشهر، وهو من أعلى المستويات في تاريخ البلاد.

لكن اقتصاديين يرون أن قدرة الحكومة على ضبط الأسواق قد تتآكل إذا استمرت الحرب وواصلت أسعار الشحن والنفط ارتفاعها. محمد العرجاوي، رئيس مستخلصي الجمارك في الإسكندرية، اعتبر أن التأثير الفوري لارتفاع أسعار الشحن سيظهر في هوامش أرباح المستوردين، لكن استمرار الوضع الراهن سيُجبرهم على تمرير الزيادة إلى المستهلكين.

تهديدات مباشرة للتصدير والإمداد

مصطفى النجاري، رئيس لجنة الزراعة والري بجمعية رجال الأعمال المصريين، أكد أن الوضع الحالي يُهدد أيضاً الصادرات، خاصة أن الحروب وغلق الموانئ تُعد ظروفاً قهرية قد تؤدي إلى إلغاء العقود، وأشار إلى أن الشحن الجوي تضرر بسبب توقف الرحلات من وإلى عدد من العواصم مثل عمّان وبيروت وأربيل، وفق ما أكدته شركة “مصر للطيران” في بيان رسمي الأسبوع الماضي.

كما حذر النجاري من أن انكماش حركة التصدير سيضرب الاقتصاد المصري في قلبه، لأن الصادرات تمثل أحد أهم مصادر النقد الأجنبي في ظل محدودية الاستثمار الأجنبي المباشر وتراجع دخل السياحة.

في ظل استمرار الأزمة الإقليمية وتدهور الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط، تبدو الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة في مصر أكثر تعقيداً من أن تُعالج بتوجيهات أو قرارات إدارية، فارتفاع تكلفة الشحن، إلى جانب صعود النفط واضطراب سلاسل الإمداد، قد يُنذر بموجة تضخم جديدة تضرب السوق المصرية في وقت يكافح فيه الاقتصاد الوطني للتعافي من صدمات سابقة.

ومع غياب حل سياسي واضح في الأفق، تتجه الشركات والمستهلكون على حد سواء إلى الترقب الحذر، بانتظار ما قد تحمله الأيام المقبلة من قرارات دولية أو تفاقم في الصراع، قد يعيد تشكيل خريطة التجارة في المنطقة، ويضع ضغوطاً إضافية على بلد يواجه بالفعل تحديات مالية شديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش