الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

أزمة تمويل خانقة تضرب الأونكتاد وسط تصاعد الحمائية الاقتصادية وتداعيات الرسوم الجمركية

الاقتصاد العالمي | بقش

يواجه مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، الذراع الفنية للأمم المتحدة المعنية بمساعدة الدول النامية على الاندماج في الاقتصاد العالمي، واحدة من أصعب لحظاتها منذ تأسيسها عام 1964.

ففي ظل أزمة مالية خانقة تشل قدرة المنظمات الأممية، وجدت الأونكتاد نفسها مضطرة إلى التخلي عن عشرات الوظائف والاستعداد لتخفيضات هي الأوسع منذ عقود، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الاقتصادية على الدول النامية بفعل موجة الرسوم الجمركية الجديدة التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية، والتي أعادت تشكيل مشهد التجارة العالمية.

تقشف مؤلم وسط طلب متزايد

قالت “ريبيكا جرينسبان”، الأمينة العامة للأونكتاد، في مقابلة مع وكالة “رويترز”، إن وكالتها تقترح تخفيض نحو 70 وظيفة من أصل نحو 500 موظف، بينهم مستشارون وموظفون دائمون، ضمن موازنة عام 2026، ووصفت الخطوة بأنها “مؤلمة ولا يمكن تجميلها”، مشيرة إلى أنها تمثل أكبر عملية تقليص في عدد الموظفين ضمن ميزانية واحدة في تاريخ الوكالة.

جرينسبان، التي تتزعم أيضاً جهود تنسيق إصلاحات الأمم المتحدة المتعلقة بالكفاءة وخفض التكاليف، أبدت قلقها من أن هذه التخفيضات قد تحدّ من قدرة الأونكتاد على الاستجابة السريعة للدول التي تسعى لفهم تبعات السياسات الجمركية والتجارية المتقلبة، خاصة في ظل تنامي النزعة الحمائية، وتصاعد الطلب على دراسات تحليلية اقتصادية دقيقة.

الولايات المتحدة تقلّص التمويل… والأمم المتحدة تعيد هيكلة حضورها

القرار بخفض الميزانيات جاء ضمن مراجعة أشمل تقودها الأمانة العامة للأمم المتحدة، التي تستعد بدورها لتقليص موازنتها العامة البالغة 3.7 مليار دولار بنسبة تصل إلى 20% وفق اطلاع بقش، وقد طُلب من أكثر من 75 وكالة وهيئة أممية تقديم مقترحات بخفض نفقاتها بحلول منتصف يونيو الجاري.

ويعود السبب الرئيسي في هذا الانكماش إلى تراجع التمويل من المانحين الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي كانت حتى وقت قريب توفر قرابة ربع تمويل المنظومة الأممية. وبحسب تقرير نشرته مجلة “Foreign Policy” في مايو 2025، فإن الولايات المتحدة قلّصت مساهمتها السنوية لصالح منظمات الأمم المتحدة بنسبة تفوق 30% منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير من العام نفسه.

وقد بدأت الأمم المتحدة بالفعل في تنفيذ خطوات تقشفية، أبرزها النظر في مغادرة قصر ويلسون في جنيف، المقر التاريخي لمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ما يعكس عمق الأزمة الهيكلية التي تعاني منها المنظمة الأممية.

ترامب يعيد إطلاق الحرب التجارية… والأسواق تتقلب

تزامن خفض تمويل الأونكتاد مع تطورات اقتصادية عالمية معقدة، أبرزها عودة السياسات الحمائية إلى الواجهة منذ بداية الولاية الرئاسية الثانية لدونالد ترامب، حيث شنّ البيت الأبيض جولة جديدة من الحرب التجارية ضد الصين، وفرض سلسلة من الرسوم الجمركية العقابية على مجموعة من الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، المكسيك، وكندا.

ففي فبراير 2025، أعلنت الإدارة الأمريكية فرض رسوم جمركية بنسبة 60% على جميع الواردات الصينية، تحت ذريعة “حماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة”.

كما شملت التدابير فرض تعريفات إضافية بنسبة 25% على السيارات المستوردة من أوروبا ورفع الرسوم على الصلب والألومنيوم إلى 50% على منتجات عدد من الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية.

ردّت الصين بإجراءات انتقامية استهدفت منتجات زراعية وصناعية أمريكية بقيمة تتجاوز 120 مليار دولار سنوياً حسب متابعات بقش، فيما حذرت منظمة التجارة العالمية من أن العالم “يتجه إلى نظام تجاري مجزّأ يفتقر إلى القواعد المشتركة”، وفق تقريرها السنوي الصادر في مارس 2025.

وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي في أحدث مراجعة اقتصادية، فإن السياسات التجارية الجديدة قد تقتطع ما يصل إلى 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية 2026، خاصة إذا استمر تقييد تدفقات التجارة بين القوى الكبرى.

ضغط متزايد على الدول النامية وطلب مرتفع على دعم الأونكتاد

في خضم هذه التحولات، تواجه الدول النامية ضغوطاً متزايدة لفهم كيفية التعامل مع السياسات الجمركية الجديدة، وإعادة تقييم اتفاقياتها التجارية، وتعزيز قدراتها على التفاوض ضمن بيئة دولية شديدة التقلب.

وتلعب الأونكتاد دوراً محورياً في تقديم الأبحاث والمشورة الفنية لهذه الدول، حيث توفر تقارير دورية حول التجارة والاستثمار، وتساعد في تطوير استراتيجيات وطنية للتنمية الاقتصادية المستدامة، غير أن تقليص التمويل وغياب الموارد البشرية الكافية يهددان بعرقلة هذا الدور في لحظة تحتاج فيها هذه البلدان إلى دعم أكبر من أي وقت مضى.

وفي تصريحاتها، أكدت جرينسبان أن “ما يقلقني ليس فقط فقدان الوظائف، بل قدرتنا على تلبية الطلب المتزايد على خدماتنا. نحن في لحظة مفصلية من النظام التجاري العالمي، ولا يمكننا أن نتراجع”.

من المقرر أن تتخذ الجمعية العامة للأمم المتحدة والدول الأعضاء القرار النهائي بشأن ميزانية الأونكتاد في سبتمبر المقبل وفق تتبُّع بقش، بعد استعراض المقترحات المقدمة من جنيف، وحتى ذلك الحين، سيظل مستقبل الوكالة معلّقًا على خيط رفيع من التوازنات السياسية والتمويلية.

أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فإن مستقبل التجارة العالمية يبدو أقل استقراراً مع كل يوم تمضي فيه التوترات دون حلول، وكل دولار يُسحب من ميزانيات المؤسسات التي تعمل على تخفيف الصدمات الاقتصادية على الدول الأكثر هشاشة.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش