
الاقتصاد اليمني | بقش
تشهد محافظة عدن أزمة حادة في تموينات الغاز المنزلي، تفاقمت بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة، نتيجة سلسلة من الاختناقات في منظومة النقل والتوزيع، ووفق اطلاع مرصد “بقش” أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع أسعار أسطوانات الغاز إلى مستويات قياسية بلغت 11 ألف ريال، مقارنة بالسعر الرسمي البالغ 8,500 ريال، وهو ما أضاف أعباء معيشية جديدة على كاهل المواطنين.
ووفقاً للشركة اليمنية للغاز، فإن الأزمة ترجع إلى قطاع قبلي في مأرب يعيق حركة ناقلات الغاز من وإلى منشأة صافر، وهو ما تسبب في انخفاض الكميات الواصلة إلى عدن وارتفاع الطلب على الغاز المنزلي. وحذرت الشركة من أن استمرار هذا التعطيل قد يؤدي إلى توسع الأزمة ليشمل المحافظات الأخرى، مع التأكيد على أن حل هذه المشكلة يحتاج إلى تدخل السلطات المحلية والأمنية في مأرب لضمان مرور ناقلات الغاز بأمان.
إضافة إلى ذلك، كشفت مصادر محلية عن وجود ممارسات مفتعلة من قبل بعض مالكي محطات الغاز وتجار المشتقات النفطية، الذين يقومون بإغلاق المحطات بحجة نقص الكميات، في خطوة وُصفت بأنها تهدف إلى خلق سوق سوداء واسعة.
ويستغل هؤلاء الأزمة لرفع الأسعار بشكل مضاعف، حيث وصل سعر أسطوانة الغاز سعة 20 لتراً إلى 11 ألف ريال، بينما السعر الرسمي بـ8,500 ريال فقط، في تلاعُب يؤكد غياب الرقابة الحكومية الفعالة على السوق، ويؤدي إلى زيادة معاناة المواطنين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتأخر الرواتب.
وتؤثر الأزمة بشكل مباشر على حياة السكان، إذ أغلقت عشرات المحطات أبوابها، تاركة المواطنين في طوابير طويلة أمام المحطات القليلة العاملة، وحذر مواطنون من أن استمرار هذه الممارسات يشجع على المزيد من الاحتكار ويضاعف الأعباء اليومية.
وزارة النفط تطالب بالغاز
وزارة النفط والمعادن بحكومة عدن، أعلنت في منشور رصده “بقش” عن توجيه باتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء الأزمة وتعزيز المخزون الاستراتيجي للغاز. وشددت الوزارة خلال اجتماع مع الجهات المعنية على أن الأزمة تمثل أولوية وطنية وضرورة عاجلة لضمان استقرار الإمدادات، مشيرةً إلى ضرورة الإفراج الفوري عن الكميات المحتجزة واستئناف ضخ الغاز إلى عدن والمحافظات المجاورة دون تأخير.
وقالت الوزارة إنها ناقشت خطوات عملية لضمان تدفق منتظم للغاز، شملت تعزيز دور السلطات المحلية في حماية مسارات الإمداد، ووضع آليات رقابية فعالة لمنع الاحتكار أو التلاعب، إضافة إلى خطط استراتيجية بعيدة المدى لتوسيع قدرات الخزن الاستراتيجي للغاز في عدن ومنشأة بروم بمحافظة حضرموت، لضمان تغطية احتياجات المحافظات وتقليل أثر أي طوارئ مستقبلية.
مخاوف من استمرار الأزمة
رغم ذلك تجري مخاوف من أن تبقى التوجيهات مجرد حبر على ورق دون تنفيذ حقيقي وفعال يضمن كبح حالة الاستغلال التجاري والفوضى السعرية الراهنة.
ويقول المحلل الاقتصادي في عدن، سليم مبارك، في تعليق لـ”بقش”، إن أزمة الغاز المنزلي الحالية تكشف ثغرات كبيرة في منظومة الرقابة الحكومية وغياب قدرة الدولة على ضبط الأسواق، مشيراً إلى أن استغلال بعض التجار للأزمة ورفع الأسعار يعزز السوق السوداء ويُضعف ثقة المواطنين المتآكلة بالأساس في قدرة الحكومة على إدارة الموارد الأساسية.
ويضيف أن هذا النوع من الفوضى، بدءاً من القطاعات القبلية وانتهاء باندلاع الأزمات، يضرب خطط إصلاحات الحكومة الاقتصادية في مقتل، على حد تعبيره، ويزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار المعيشي.
ويتابع: “فبينما تسعى الدولة لتطبيق سياسات رقابية، تعمل شبكات احتكارية على نسف هذه الجهود مع غياب الرقابة الرسمية، ما يخلق فجوة بين السياسات الرسمية والواقع الميداني، ويقلل من مصداقية الإصلاحات الاقتصادية ويُضعف أي مسعى حكومي لاحتواء التضخم أو تحسين مستويات المعيشة”.
غياب الرقابة الفعالة على محطات الغاز والتوزيع، إلى جانب الافتقار إلى أدوات رادعة ضد الاحتكار والتلاعب بالكميات، يعمّق الأزمة ويجعل أي تدخل حكومي محدود التأثير.
أزمة الغاز في عدن التي يتابعها بقش خلال الأيام الأخيرة تكشف تداخلاً بين عوامل متعددة، أبرزها القيود الأمنية والسياسية في مأرب، وضعف الرقابة الحكومية على السوق، واستغلال الأزمة من قبل بعض التجار لرفع الأسعار وتحقيق أرباح غير مشروعة، واستمرار مثل هذه البيئة المأزومة يهدد بمزيد من التدهور المعيشي الحاصل بالفعل، بينما يبقى نجاح التحركات التي تحدثت عنها وزارة النفط معتمداً على كفاءة التنفيذ الفعلي للخطط والرقابة المستمرة على السوق لمنع تكرار التلاعب بالأسعار والكميات.


