
دخلت أزمة الكهرباء في عدن منعطفاً خطيراً صباح اليوم الأربعاء، مع الإعلان عن توقف كامل لمحطة بترومسيلة الحيوية، المعروفة أيضاً بمحطة الرئيس، عن الخدمة، مما هدد بتفاقم معاناة السكان مع اقتراب فصل الصيف.
ويعود سبب هذا التوقف المفاجئ، بحسب إفادة مصادر مطلعة في قطاع الكهرباء لبقش، إلى انقطاع تام لإمدادات وقود النفط الخام القادمة من محافظة مأرب، والتي توقفت بالكامل منذ فترة إجازة عيد الفطر المبارك. وأوضحت المصادر أن التشغيل المستمر للمحطة يعتمد بشكل أساسي على تدفق منتظم لشحنات النفط الخام القادمة من محافظتي مأرب وحضرموت، بواقع ثماني ناقلات دورية، مناصفة بين المحافظتين. إلا أن الإمدادات من مأرب شهدت تراجعاً كبيراً مؤخراً وصولاً إلى الانقطاع التام.
ورغم استمرار وصول الكميات المحدودة من خام حضرموت حتى الآن، أكدت المصادر أنها غير كافية لتلبية الاحتياجات التشغيلية للمحطة بكامل طاقتها، مما حتم على الجهات المسؤولة اتخاذ قرار إخراجها عن الخدمة مؤقتاً لتجنب أضرار فنية أكبر. هذا التطور يضع منظومة الكهرباء في عدن تحت ضغط هائل، حيث تعتمد المدينة الآن على مجموعة محدودة من محطات التوليد.
وتشمل قائمة المحطات العاملة حالياً محطة المنصورة التي تعمل بوقود المازوت وتنتج حوالي 50 ميجاوات، لكن مخزونها الحالي يكفي لأسبوعين فقط كحد أقصى. وإضافة إلى ذلك، تساهم المحطة الإماراتية للطاقة الشمسية بنحو 80 ميجاوات، وتعمل محطتان صغيرتان بالديزل تتبعان “أنتر سولار” (في الشيخ عثمان والمعلا) بطاقة إجمالية تبلغ 20 ميجاوات، وهي من الأصول التي تم شراؤها سابقاً. كما تساهم محطة شهناز في خورمكسر، وهي جزء من منحة إماراتية سابقة، بنحو 10 ميجاوات.
ومما يزيد الوضع تعقيداً، أن وقود الديزل المخصص لتشغيل هذه المحطات الأصغر سينفد بحلول يوم السبت القادم، ما لم يتم توفير كميات جديدة بشكل عاجل.
في وقت لاحق خرجت معلومات تفيد بعودة محطة بترومسيلة إلى الخدمة بعد تدخل وزارة النفط وتوجيهها بالتمويل من المخزون الاحتياطي للمحطة، مع وصول 4 قاطرات من خام حضرموت من الضبة إلى عدن اليوم الأربعاء، وتشير المعلومات إلى عودة ضخ نفط صافر من مأرب إلى شبوة ثم إلى عدن يوم غد الخميس.
تداعيات الاعتماد على وقود غير مستقر
يسلط توقف محطة بترومسيلة الضوء مجدداً على الهشاشة الكبيرة التي يعاني منها قطاع الكهرباء في عدن والمناطق المجاورة، والذي يعتمد بشكل كبير على إمدادات وقود غير مضمونة تأتي من مناطق تشهد تحديات أمنية ولوجستية معقدة.
الاعتماد على خطوط إمداد طويلة ومتقطعة، سواء للنفط الخام أو الديزل أو المازوت، يجعل خدمة الكهرباء عرضة للانقطاعات المتكررة والأزمات الحادة، لا سيما عند حدوث أي اضطراب في عملية النقل أو التوريد كما حدث مع وقود مأرب.
انعكاسات إنسانية واقتصادية للأزمة
لا تقتصر تداعيات أزمة الكهرباء على إزعاج السكان، بل تمتد لتشكل تهديداً إنسانياً واقتصادياً خطيراً. فمع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير في عدن، يصبح انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة أمراً لا يطاق، ويؤثر بشكل مباشر على صحة المواطنين، خاصة كبار السن والمرضى والأطفال.
كما تتعطل الخدمات الأساسية مثل المستشفيات ومضخات المياه، وتتضرر الأعمال التجارية والمصالح الاقتصادية الصغيرة التي يعتمد عليها الكثيرون في معيشتهم، مما يزيد من عمق الأزمة المعيشية التي تعاني منها المدينة.
تؤكد الأزمة الحالية على الحاجة الماسة لتجاوز الحلول المؤقتة والمتمثلة في توفير شحنات وقود إسعافية، والتوجه نحو وضع خطط استراتيجية ومستدامة لقطاع الطاقة في عدن.
يشمل ذلك ضرورة صيانة المحطات القائمة وتحديثها لرفع كفاءتها، والاستثمار في بناء محطات جديدة بقدرات توليد أكبر، والأهم من ذلك، استكشاف وتنويع مصادر الطاقة بشكل جدي، خصوصاً التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي يمكن أن توفر حلاً أكثر استدامة وأقل اعتماداً على الوقود الأحفوري المتقلب.
ويثير غياب خطة طوارئ واضحة واستباقية لمواجهة تحديات فصل الصيف ونقص الوقود المحتمل، قلقاً بالغاً.
فالمؤشرات الحالية، المتمثلة في تراجع استقرار التيار الكهربائي حتى قبل توقف محطة بترومسيلة ونفاد مخزونات الوقود بسرعة، تنذر بصيف قاسٍ على سكان عدن ما لم يتم التحرك بسرعة وفعالية لتأمين مصادر وقود بديلة وموثوقة، وإيجاد حلول جذرية لمشكلة التوليد المتكررة. وقد يؤدي ترك الوضع دون معالجة سريعة إلى انهيار شبه كامل في خدمة الكهرباء، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على كافة مناحي الحياة في المدينة.